مقدمات لا بدّ منها لـ هشام البستاني أيضاً

16 سبتمبر 2014
+ الخط -

من يحاول الكتابة عن القاص الأردني هشام البستاني، ستزدحم في مخليته عدة صور للكاتب؛ فهو مشاغب سياسي يزعج السلطة والمعارضة الكلاسيكية على حد سواء، وهو أيضاً طبيب أسنان ناجح يستقبل المرضى ويودّعهم بمواعيد محددة.

لكن صورته لا تكتمل إلا بذهابنا إلى "جبل اللويبدة" الذي يعد مركز تجمّع المثقفين الأردنيين، وبحجزنا له طاولة في مقهى "فن وشاي"، حيث نضع أمامه أربع مجموعات قصصية هي حصيلة إنتاجه الأدبي، وعدداً من الكراسي لأصدقاء يشاركونه اهتماماته بالأدب والموسيقى والسينما والفن التشكيلي والسياسة والطب.

وعندما نكون أحد هؤلاء الأصدقاء، نعرف أنه كاتبٌ مخلص لفن القصة القصيرة، يدافع عنها بشراسة، وقارئٌ نهم لآخر إصداراتها. وحالما نفرغ من قراءة مجموعته القصصية الأخيرة "مقدمات لا بد منها لفناء مؤجل"، الصادرة حديثاً عن "دار العين" المصرية، سنجد كل هذه التشعبات والاهتمامات في هذا العمل الذي صنّفه كمتاهة قصصية.

في قصص البستاني، نجد أنفسنا في مواجهة كتابة سوريالية لا تتخلى عن الواقع؛ واقع يشتعل جنوناً وعبثية، وأمام قاص يلعب في المناطق الشفافة التي تفصل بين الجنون والانتحار، بين الصحو والكوابيس، بين المعقول ونقيضه.

يتضح ذلك جيداً في القصص التي كتبها بالتفاعل مع الفنون الأخرى؛ كقصة "مدار الرؤيا" و"الحشر" و"اكتمال الدائرة"، وأيضاً "يحدث بعد منتصف الليل بقليل" التي يسمح له الاشتباك فيها مع الفن التشكيلي والتقطيع السينمائي بنقل القارئ من مشهد الانتحار (القفز من الشباك) الفاشل إلى عدة مشاهد سوريالية أخرى تحمل نكهة سوداوية مصبوغة بروح التشظي التي يعيشها الإنسان.

يلجأ البستاني إلى تقسيم مجموعته القصصية التي تتجاوز الأربعين قصة، إلى عدة عناوين فرعية يضم كل عنوان عدداً من القصص؛ ما يشعرنا أننا في متاهة قصصية فعلية، خصوصاً مع تشابه الأجواء الغامضة والسوداوية التي تغلّف القصص. ففي رباعية "فرق التوقيت" مثلاً، يقدّم أربع قصص مختلفة تجمع بينها القفلة المشتركة (انتظار الانفجار)؛ إذ يتوقف المشهد في كل مرة عند شخصية تنتظر هذا الحدث.

ولهذا التشابه عواقب سلبية أحياناً؛ إذ يدفع بالقارئ إلى الملل في بعض المواضع. كما أن القصص ليست بمستوى واحد فنياً؛ فبعضها ينحى منحى وعظياً، كما في قصة "أمواج الموت الزرقاء"، ويغرق بعضٌ آخر في الجانب السياسي على حساب المتطلبات الفنية والسردية، كقصة "قبل النهاية بلحظة واحدة"، بينما تتناول قصة "أعقاب سجائر" قضية الصراع الطبقي بطريقة مباشرة.

المساهمون