روشميا: قصة بيت في أطراف حيفا

روشميا: قصة بيت في أطراف حيفا

17 يناير 2015
لقطة من الفيلم
+ الخط -

لا ينتهي المخرج سليم أبو جبل من تركيب الجملة السينمائية في شريطه التسجيلي "روشميا" (2014) حتى تداهمه جملة أخرى، تفرض إحداثياتها وشروطها ريثما تلقى مصير سابقتها، وهكذا دواليك. في هذا العمل، تبدو اللغة البصرية عند ابن الجولان السوري المحتل على مشارف الإصابة بالزهايمر، يفتنها كل ما هو ماضٍ في هذه اللحظة، ليس بوصف الماضي حدثاً منتهياً بقدر ما هو أداة ناجعة لقتل الزمن.

يمهّد أبو جبل لإعلان نهاية حكاية طويلة: يعيش أبو العبد وزوجته منذ عام 1956 في بيت من الصفيح، في وادي روشميا، على أطراف مدينة حيفا الفلسطينية. هناك، أسّس بطلا الفيلم حياة كاملة ومستقلة عن العالم الخارجي، وسبق لعدد من الصحافيين أن زاروهما وكتبوا عن وضعهما.

يغوص شريط "روشميا" في فضاء شخصياته راصداً الأيام الأخيرة لبطليه في هذا المكان، بعد قرار محكمة سلطات الاحتلال بإخلائه لصالح أنفاق ستشيّد فيه. هكذا، يقدّم الفيلم ارتباكهما قبل تركهما المنزل، الموجود في العراء من دون كهرباء أو ماء أو اتصالات، حيث عاشا أكثر من نصف قرن. تبدو الزوجة أكثر تقبلاً لقرار الهجرة، بخلاف أبو العبد الذي لا يجد أي معنى لحياته بعيداً عن بيته المُشيّد بألواح الصفيح وإطارات السيارات والخردة.

تدريجياً، ومع اقتراب الموعد المحدد لإخلاء الدار، تتصاعد حدة النقاشات بين العجوز وزوجته، وتنزاح فكرة البطولة الفردية لصالح بطولة أخرى عنوانها الأوسع المكان، أو بشكل أدق لصالح علاقة الشخصيات بالمكان. أبو العبد المقاتل في 1948، والمصاب بأعيرة نارية، والمعتقل لدى الاحتلال عام 1949، تختلط دموعه مع ازدياد تواتر صوت الجرافات والشاحنات التي تنذر بما سيحدث.

رغم مأساوية الحكاية التي اشتغل عليها المخرج، إلا أنه استطاع أن يرصد لحظات كوميدية تتصارع فيها عوامل القهر بطرافة الشخصيات، لا سيما في تصوير الشجارات بين الزوجين وقرارهما الانفصال.

تتعاقب وتتقابل مشاهد الفيلم، بشكل متواز، بين داخل البيت وخارجه، إلا أنها لا تسعى إلى إظهار اختلاف بين الفضائين من حيث إنارتهما وحركة الشخصيات في كل منهما. الاشتغال ينم عن رؤية إخراجية مستقاة من حياة البطلين اللذين صار الداخل خارجاً لهما، والعكس صحيح أيضاً.

يمكن اختزال مقولة الفيلم بلوحة ضخمة رسمها أبو جبل عبر حركة شاقولية للكاميرا من أسفل الكادر إلى أعلاه: الوادي وبيت الصفيح في الأسفل، وفوقهما طريق عليه شاحنات وجرافات لا تتوقف عن العمل، وأعلى الطريق تلة عليها بنايات حديثة. بمرارة، تنتصر رمزية اللوحة في المشهد الأخير عندما تحضر الشرطة الإسرائيلية وتبدأ الجرافة بإزالة بيت أبو العبد، بينما يقف هو وقفة الملك لير راثياً "مملكته"، تتداخل في مشهد وقفته الأخيرة شتائمه للاحتلال مع صوت الجرافة. وينتهي الفيلم بصورة الركام بعد أن أنجزت الجرافة مهمتها في دقائق معدودة.

المساهمون