"عمران" 15: القبيلة أفقاً سياسياً غامضاً

22 فبراير 2016
عدي أتاسي / سورية
+ الخط -

أثبت المنعرج الذي دخلته البلاد العربية بعد 2011، أن التنظيمات ما دون الدولة لا تزال عاملاً مؤثراً في مسارات الأحداث. لعل أبرز مثال في الحالة العربية على هذه التنظيمات هو القبيلة والتي لا تزال مؤثرة في قرارات الأفراد وذات وزن في بناء التنظيمات الاجتماعية والسياسية الأخرى مثل الأحزاب والنقابات وحتى الجماعات الإرهابية.

هذا الدور الذي تلعبه القبيلة يجعل منها نقطة ينبغي أن تسلط حولها أضواء العلوم الإنسانية، وهو ما تتصدى له مجلة "عمران" في عددها الأخير (15) حاملة على غلافها عنوان "راهن القبيلة في الوطن العربي". تصدر المجلة فصلياً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وسيجري تخصيص عدد آخر يستكمل النقاش في هذا الملف.

افتتحت العدد دراسة بعنوان "القبليّة: مفارقة تاريخية في القرن الحادي والعشرين؟"، أنجزها  الأنثروبولوجي ريتشارد تابر. يحاول الباحث الإجابة عن تساؤلات عدّة، مثل: هل قبائل اليوم هي المجموعات نفسها التي كانت سابقاً؟ ألم تتغير القبائل أيضاً بفعل التغيرات الثورية في تكنولوجيا الاتصالات والصناعات العسكرية، وفي طبيعة الاقتصاد والسياسة والمجتمع في العالم منذ منتصف عشرينيات القرن العشرين؟

في مقاله "في القبيلة: واقع متعدد الأبعاد"، يحاول الباحث المغربي محمد الطوزي إبراز راهنية القبيلة في الواقع المغاربي الحديث، مقدّماً عرضاً تحليلياً ونقدياً للنظريات التي أفرزتها الأنثروبولوجيا وعلم السياسة بشأن المجتمع القبلي وامتداداتها، ساعياً إلى قراءة النسق السياسي المغاربي.

في ما يتعلّق بالمجتمع المغاربي أيضاً، يتناول بحث "القبيلة كأفق سياسي في الجزائر" لـ يزيد بن هونات مفارقة لافتة: "لا توجد اليوم في الجزائر قبائل، بالمفهوم الكلاسيكي للكلمة؛ فقد تلاشت منذ فترة تحت ضربات السياسة الاستعمارية وسياسة الدولة الوطنية المستقلة. هناك في الوقت ذاته حضور قوي للقبيلة في المخيال السياسي الجزائري يجعل منها أفقاً سياسياً غامضاً لا يتحقق في الواقع".

من جهته، يذهب الباحث يعقوب يوسف الكندري، في ورقته "القبيلة والمفاهيم السياسية في المجتمع الخليجي المعاصر: المجتمع الكويتي مثالاً" إلى طرح تساؤل عام، مفاده: هل يمكن أن نقرأ الظواهر السياسية في المجتمع الخليجي بشكل عام، والمجتمع الكويتي بشكل خاص، من دون الحاجة إلى النظر إلى القبيلة والمفاهيم القبلية التي تُعتبر جزءاً من ثقافة المجتمع؟ 

نقرأ أيضاً دراسة بعنوان "القبائل والقبلية والهوية السياسية في سورية المعاصرة" لـ داون تشاتي. يحاول الباحث تقصّي التغيرات التي طرأت على الأسئلة الجوهرية والمفاهيمية المتعلقة بالقبلية والقبائل في "الشرق الأوسط"، وتحديد مرونة صوغ المفاهيم المحلية والوطنية والدولية، والمواقف والممارسات تجاه القبائل.

يُخصّص الباحث هشام داود تحليله "القبائل العراقية في أرض الجهاد"، للظاهرة القبلية في العراق، هذا البلد الذي يجمع اليوم بين مظاهر الانقسام السياسي وضعف الدولة والجماعات المتطرّفة والحرب الطائفية والتدخل الإقليمي الدولي.

نسّق الملف الباحث التونسي مولدي الأحمر. ومن جهته، تناول في ورقته "نحو استعادة المشاهدة من دون حجاب القبيلة" مسألة استخدام القبيلة بوصفها مفهوماً وفرضيةَ بحث في الدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية التي اشتغلت على الحالة العربية.

ينطلق الأحمر من مفارقة كون معظم هذه الدراسات تستخدم كلمة القبيلة من دون الاستناد إلى مفهوم علمي يحدّد مضمونها. ويرى أن فرضية القبيلة في حد ذاتها أصبحت في كثير من الحالات بمنزلة "هابيتوس معرفي" يوجّه المشاهدة والتحليل، خصوصاً في دراسة الظواهر السياسية، ومنها "الربيع العربي"، من دون التأثر بالقيمة المنهجية للتحوّلات الاجتماعية الجارية في المنطقة منذ أكثر من قرن.

ينسحب موضوع القبيلة إلى أقسام أخرى من مجلّة "عمران"؛ إذ جاء في باب الترجمة مقالة بعنوان "القبائل والكيانات الإثنية والدول" لموريس غودولييه، ويختتم العدد أوراقه بببليوغرافيا إرشادية مختصرة بشأن القبيلة في البلاد العربية.

بعيداً عن موضوع القبيلة، يضم العدد تحليلاً للمفكّر العربي عزمي بشارة في دراسة بعنوان "جدل الجامعة والمواطَنة والديمقراطية"، يفحص فيها العلاقة بين التعليم الجامعي والثقافة المساندة للديمقراطية، على الرغم من صعوبة إيجاد علاقة مباشرة بينهما، خصوصاً إذا فُحصت كمتغيرات وحيدة. 

في باب المراجعات، ضم العدد مراجعة رشيد جرموني التي جاءت تحت عنوان "في وداع أيقونة السوسيولوجيا المغربية فاطمة المرنيسي"، ومراجعة أحمد جاسم الحسين لكتاب فانون "المخيلة ما بعد الكولونيالية"، إضافة إلى مراجعة حميد الهاشمي "البحث العربي ومجتمع المعرفة: رؤية نقدية جديدة"، ومراجعة مصطفى آيت خراوش "المدخل الأخلاقي في الدفاع عن الرأسمالية".

 
اقرأ أيضاً: الأنساب في السعودية: متاهات من رمل وطين

المساهمون