التراث الثقافي الغارق.. تاريخ تحت الماء

22 ابريل 2019
(خليج أبوقير قبالة ساحل مصر، كريستوف جيريك وفرانك غوديو)
+ الخط -

يشمل التراث الثقافي المغمور بالمياه كلّ آثار الوجود الإنساني التي تحمل طابعاً ثقافياً أو تاريخياً وتوجد تحت المسطحات المائية، وهذا يعني، بحسب "منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة" (يونسكو)، ثلاثة ملايين حطام سفينة، من بينها تيتانيك وبيليتونج، و4000 حطام سفينة من أسطول كوبلاي خان، فضلاً عن أطلال ومدن غارقة، مثل آثار المدينة الفرعونية في الإسكندرية التي تُعد واحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.

على مدار التاريخ، ابتلعت المياه مدناً بأكملها وأغرقت آلاف السفن، لكن المفارقة أن ما غرق نجا في القاع وحافظت عليه البيئة البحرية كما لو أنها حنطته، أو جعلته في مأمن من يد الإنسان على اليابسة، فلم تلق مصير الآثار التي نهبها أو خرّبها.

يُقدّم هذا التراث شهادةً عن فترات وجوانب مختلفة من تاريخ البشرية المشترك؛ فيكشف، مثلاً، قساوة تجارة الرقيق، وفظاعة الحرب، وتأثير الكوارث الطبيعية، بل وآثار الاحتفالات والمعتقدات المقدسة. وبالمثل، يقدّم صورة عن التبادل السلمي التجاري والرحلات بين المناطق المختلفة في العالم.

ورغم التطوّر الذي حقّقته البشرية، لا تزال المياه تبتلع التراث الإنساني المتجدّد، فكم من طائرة انتهى بها المطاف إلى قاع البحر، وكم من غريق استقرّ في باطنه خلال السنوات الأخيرة.

ومنذ 2001، أخذت اليونسكو والباحثون والمؤرّخون والآثاريون يولون اهتماماً أكبر من أي وقت مضى بهذا التراث الإنساني الضخم، بعد أن عقدت المنظمة مؤتمراً دولياً حول هذا الموضوع، فزادت منذ ذلك الوقت عمليات التنقيب المائي، خصوصاً في إندونيسيا وإسبانيا والمكسيك والبرتغال وغيرها.

وحول هذا التراث الإنساني الكبير والغارق، تواصل المنظّمة الدولية عقد مؤتمراتها الدورية؛ حيث تقيم ندوة دوليةً في مكتبة الإسكندرية حول التراث الثقافي المغمور بالمياه، تنطلق جلساتها عند الثانية عشرة من ظهر الخميس المقبل، ويشارك فيها كلٌّ من الأكاديمية لوسي بلو، والأكاديمي فريزر ستورت؛ وكلاهما أستاذ في الآثار البحرية بجامعة ساوثهامبتون البريطانية، ومن اليونسكو تحاضر تاتيانا فيليجاس، ومن "مركز الإسكندرية للدراسات الهلينستية" الأكاديمي عماد خليل.

لكن، ماذا يوجد تحت الماء غير بقايا السفن؟ ربما هذا هو السؤال الذي يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن "تراث ثقافي مغمور بالمياه"، والإجابة هي: بقايا مبان قديمة ومدن غارقة، بعضها نتيجة الزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية أو تآكل التربة، هذا دون الحديث عن مبانٍ تمّ بناؤها أصلاً تحت الماء، مثل كامبونجز في ماليزيا.

وحتى الآن، اكتُشفت أنقاض في مواقع أثرية تحت الماء يصل حجمها إلى حجم مدينة مومبي، بحسب موقع اليونسكو، منها ما يعود إلى الحضارات القديمة، حيث يُقدَّر عدد المدن الغارقة بمائة وخمسين مدينة، إلى جانب هياكل الموانئ على شواطئ البحر الأبيض المتوسّط وحدها.

ثمة أيضاً الكهوف والآبار المغمورة، ومن أشهرها كهف كوسكويه في فرنسا، والذي يقع على عمق 37 متراً تحت الماء ويحتوي على رسومات ونقوش من عصور ما قبل التاريخ، وقد كلف اكتشاف هذا الكهف عشرات الأرواح. أما بعض الكهوف في المكسيك، ففيها بقايا هياكل عظمية يعتقد العلماء أنها أضحيات بشرية، وبينها عُثر على أقدم هيكل عظمي بشري موجود في الأميركتين.

ومن آثار القرن العشرين، هناك ما يقدر بنحو عشرة آلاف حطام من الحرب العالمية الأولى في قيعان البحار في جميع أنحاء العالم. ويشمل ذلك السفن الحربية والسفن المدنية التي غرقت لعوامل طبيعية أو بسبب الحصار البحري.

أما في منطقتنا، فما يزال مشروع متاحف قطر "الآثار الغارقة في المياه القطرية" الذي يسعى إلى استكشاف تاريخ الخليج متواصلاً، وقد كشفت نتائج المسح الأولى عن حطام العديد من السفن في شمال البلاد، وتم تسجيلها وتوثيقها بصور ثلاثية الأبعاد.

المساهمون