تشدد الإمارات عمليات تدقيق مصرفية صارمة على الشركات الروسية بضغط من الولايات المتحدة الساعية لإغلاق القنوات المستخدمة للتهرب من العقوبات المفروضة على موسكو.
وتتعرض الشركات الروسية المتمركزة في الإمارات لتدقيق أكبر من البنوك المحلية، حيث تواجه الدولة الخليجية ضغوطاً أميركية متزايدة لمعالجة التهرب من العقوبات وتكثيف الجهود للخروج من قائمة المراقبة لمنظمة عالمية، وفقاً لتقرير أوردته شبكة "بلومبيرغ" الأميركية.
فقد اجتذبت الإمارات سيلاً من الأموال الروسية في العام الأول بعدما أمر الرئيس فلاديمير بوتين بإرسال قوات إلى أوكرانيا، حيث وجدت الشركات أن الخدمات المصرفية سريعة وسهلة التنقل.
لكن هذه العملية أصبحت أكثر صعوبة بمرور الوقت، مع تزايد شيوع حالات الرفض، لأنّ الإمارات تُبدي قدراً أقل من الرغبة في المخاطرة المرتبطة بالعقوبات وتضغط من أجل الخروج مما يسمى بـ"القائمة الرمادية"، وفقاً لأكثر من 6 من أصحاب الأعمال والاستشاريين الذين أجرت معهم "رويترز" مقابلات وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأنّ هذه المعلومات ليست علنية.
وأفاد هؤلاء بأنّ التحويلات المالية - سواء للشركات التي تعيد الأموال إلى روسيا أو تحويل الأموال النقدية إلى دولة ثالثة - تخضع أيضاً لرقابة أكبر وتستغرق الآن مزيداً من الوقت، مشيرين إلى أن بعض البنوك تطالب بمزيد من الوثائق، وفي بعض الأحيان تمنع الأموال، بينما تسعى للحصول على مبرر للتحويل أو التشكيك في مصدر الأموال.
وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، التزم المسؤولون الإماراتيون بالسياسات التي اجتذبت موجة من التدفقات من الأفراد ذوي الثروات العالية. وفي الأشهر الأخيرة، سعى المسؤولون إلى سد الفجوات الملحوظة في الامتثال للعقوبات، كما قالت المصادر، حيث تسعى الإمارات إلى إزالتها من قائمة الولايات القضائية الخاضعة لمزيد من الرقابة التي تحتفظ بها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي مجموعة تهدف إلى مكافحة الإرهاب العالمي وغسل الأموال.
وفي غضون ذلك، كثفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الضغوط على المسؤولين الإماراتيين لمعالجة التدفقات غير المشروعة وإغلاق القنوات التي تستخدمها موسكو للالتفاف على العقوبات التجارية وتمويل آلة الحرب في الكرملين. وفي هذا الشهر، استهدفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العديد من شركات الشحن في الإمارات، كجزء من حملة على عدم الامتثال للحد الأقصى لأسعار النفط.
المحامية المقيمة في دبي والتي تتشاور مع العملاء بشأن الصفقات عبر الحدود والحسابات المصرفية داريا نيفسكايا، قالت إنه "في ما يتعلق بالامتثال المالي، أصبح من الصعب جداً أن تكون روسيا في الإمارات، والوضع يزداد صعوبة. فبعض البنوك التي كانت تقبل سابقاً مدفوعات من روسيا أوقفت مثل هذه المعاملات الآن".
ورداً على أسئلة "بلومبيرغ"، قال مسؤول إماراتي إن الدولة تأخذ دورها في حماية سلامة النظام المالي العالمي على محمل الجد. وقال المسؤول: "إن الموارد والخبرات المتزايدة التي قمنا بتوفيرها تدعم التزام الإمارات المستمر بمكافحة الجريمة الاقتصادية وتعطيل الشبكات غير المشروعة، سواء في الداخل أو الخارج".
أما وزير الدولة للتجارة الخارجية في البلاد ثاني الزيودي، فقال لـ"بلومبيرغ"، يوم الثلاثاء، إنه كجزء من إجراءات مجموعة العمل المالي، تطلب البنوك الإماراتية مزيداً من المعلومات من العملاء الحاليين والمحتملين، بما في ذلك تدقيقات محددة تتعلق بقوائم العقوبات.
وفي حين أن هذا ينطبق على العملاء من جميع الجنسيات، فإن الوضع يمكن أن يكون حاداً بشكل خاص بالنسبة للروس نظراً لحجم العقوبات المفروضة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
في هذا الصدد، قال الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ستيفن هيرتوغ: "لقد كانت الإمارات جيدة جداً في فعل ما يكفي عادة للهروب من اللوم الشديد، بينما كانت أيضاً منفتحة على الأعمال التجارية من جميع الجوانب قدر استطاعتها"، مضيفاً أنّ "المزيد من العناية الواجبة وقطع العلاقات مع المتهربين بوضوح من العقوبات سيكون كافياً لتجنب أي تصعيد مع الولايات المتحدة".
وقد أضرّ التحول في السياسة بالشركات الصغيرة بشكل خاص بسبب حسابات المخاطر والمكافآت التي يجريها المقرضون، وفقاً للشريك في شركة "ليكاب" للمحاماة مايكل مالينوفسكي.
وتدرس بعض الشركات الكبرى الآن البدائل. فقد قال شخصان من العاملين في القطاع إن الحملة التي شنتها الإمارات على الأنشطة غير المشروعة في سوق السبائك والتدابير الأميركية ضد كبار عمال مناجم الذهب في روسيا أدت إلى تحول في التجارة من دبي إلى هونغ كونغ منذ إبريل/ نيسان الماضي.
وذكر أشخاص مطلعون على الأمر أن الرقابة الأكثر صرامة على التحويلات المصرفية وقاعدة البيانات الحكومية الإلزامية لمراقبة المدفوعات النقدية أدت إلى زيادة العقبات أمام المصدرين الروس في الإمارات، في حين أن شركة أخرى من أكبر شركات التعدين في روسيا، والتي فرضت عقوبات على المساهمين، تكافح من أجل فتح حساب مصرفي منذ أشهر.
وذكر شخص مطلع على الوضع رفض الكشف عن هويته لأن المعلومات غير معروفة، أن "غازبروم بنك" الذي أفلت من القيود الأكثر تشدداً بسبب دوره في تجارة السلع، أغلق أحد حسابات مراسليه من قبل "بنك المشرق" الذي يتخذ من دبي مقراً له.
وقال المصدر نفسه إن المقرض لديه حسابات في مصرفين إماراتيين آخرين في الوقت الحالي، مضيفاً أنه يعتقد أن بنوك دبي تغلق أبوابها أمام الأموال الروسية، فيما لم يرد موظفو العلاقات الإعلامية في "غازبروم بنك" و"المشرق" على طلبات التعليق.
ومع ذلك، فمن المؤكد أن الإمارات لا تزال مركزاً مفضلاً للعديد من أكبر الشركات غير المرخصة في روسيا. إذ تقوم شركة "يونايتد كو روسال إنترناشونال" United Co. Rusal International PJSC بنقل مقرها التجاري العالمي للألمنيوم من سويسرا إلى دبي، في حين تدير مجموعة "يوروكيم غروب" EuroChem Group AG، إحدى أكبر شركات إنتاج الأسمدة في البلاد، عملياتها التجارية عبر دبي منذ أكثر من عام.
وتمتلك مجموعة الأسمدة "يورالكيم-يورالكلي" Uralchem-Uralkali وحدة تجارية دولية مقرها في منطقة التجارة الحرة التابعة لمركز دبي للسلع المتعددة منذ عام 2021.
ورغم ذلك، فإن التدقيق المشدد من السلطات الإماراتية يدفع بعض الشركات متوسطة الحجم للانتقال إلى دول الخليج المجاورة، مثل سلطنة عُمان أو البحرين، وهما ليستا تحت دائرة الضوء من الحكومة الأميركية، على حد قول المصادر.