الادعاء على حاكم مصرف لبنان وشقيقه ومساعدته بجرائم غسل واختلاس أموال

23 فبراير 2023
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (حسين بيضون)
+ الخط -

زاد المشهد المصرفي والمالي في لبنان تأزماً، وسط اتهامات لرئيس الحكومة بمحاولة التدخل في قرارات القضاء متعلقة بشخصيات مصرفية بارزة. فقد اتهم قاضٍ لبناني اليوم، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشقيقه ومساعدته، بالتورط في جرائم غسل أموال واختلاس أموال عامة وإثراء غير مشروع.

وفيما كانت المصارف اللبنانية تتّجه إلى فك إضرابها المستمرّ منذ 7 فبراير/ شباط الجاري بعد تدخلات سياسية حصلت على خطّ القضاء للجم الأحكام القضائية التي تطاول البنوك ورؤساء مجالس إدارتها، ولا سيما من جانب النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، ادعى النائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي رجا حاموش، على حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا ومساعدته ماريان حويك، وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أو مشتركاً أو محرضاً أو متدخلاً بجرائم تبييض أموال واختلاس المال العام والتهرب الضريبي والتزوير والإثراء غير المشروع. 

وأحال القاضي حاموش الملف مع المدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، طالباً استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم.

وعيّنت محكمة الاستئناف في بيروت المحامي العام الاستئنافي القاضي رجا حاموش للنظر في ملف حاكم مصرف لبنان الأسبوع الماضي، بعد قرار ردّ النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر بناءً على دعوى سلامة بوجهه.

ويأتي هذا التطور في وقتٍ تقوم السلطة السياسية في لبنان بتدخل فاضح في عمل السلطة القضائية لفكِّ إضراب المصارف المستمرّ منذ 3 أسابيع، اعتراضاً على الإجراءات القضائية والأحكام الصادرة بحقها ولصالح المودعين.

كما يأتي هذا التطور في وقتٍ، تقوم فيه السلطة السياسية في لبنان بتدخل فاضح في عمل السلطة القضائية من بوابة تسوية تحصل مع المصارف لفكِّ إضرابها المستمرّ منذ 3 أسابيع، اعتراضاً على الإجراءات القضائية والأحكام الصادرة بحقها ولصالح المودعين، آخرها ما وُصِف بالانقلاب من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي على النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، التي ادعت على عدد من المصارف، وهي للإشارة، سبق أن لاحقت سلامة وشقيقه ومساعدته، وادعت عليهم بالإثراء غير المشروع.

في السياق، تقول عضو "رابطة المودعين" المحامية دينا أبو زور، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار القاضي حاموش ضد سلامة وشقيقه ومساعدته يؤدي إلى تحويل الملف على التحقيق، وهو الخطوة التي يفترض أن تكون طبيعية في المسار القضائي لمعرفة ما حصل من عمليات اختلاس وتبييض أموال وإثراء غير مشروع، وما إلى ذلك من جرائم مالية مرتكبة".

وتشير أبو زور إلى أن "تحرّك القضاء اللبناني في ملف المصارف يتزامن كذلك مع ضغط خارجي مورس من طريق وفد المحققين الأوروبيين الذي سيعود إلى لبنان قريباً لاستكمال تحقيقاته في ملف سلامة والبنوك اللبنانية، إضافة إلى الضغط الداخلي الحاصل، لملاحقة المتهمين بجريمة العصر، أي سرقة أموال المودعين، على أمل ألّا يكون مجرد استرضاء لهذه الضغوط".

وتتوقف أبو زور عند "مشكلة حقيقية تحصل اليوم في القضاء، وهي الكيل بمكيالين، كما والتدخل السافر بعمل السلطة القضائية، عبر تقويض عمل القضاة الأحرار وبسط يد قضاة السلطة، وكان آخره عبر الكتابين الصادرين عن ميقاتي ووزير الداخلية، في خرق لآخر مدماك من مداميك فصل السلطات وآخر مدماك من العدالة، هو أمرٌ من شأنه أن يؤثر على القضاة الشرفاء الذين سيترددون في القيام بأي عمل أو اتخاذ أي قرار قد يوضع من باب التحدي للسلطة السياسية وهو ما شهدناه أيضاً بملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وللأسف القضاء بات فعلياً أداة بيد السلطة السياسية لتجنب المحاسبة".

ويوم الأربعاء، توجّه ميقاتي بكتابٍ إلى وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي، يطلب فيه إجراء المقتضى القانوني بحق القاضية غادة عون، وذلك بعد اتهامها بارتكاب جملة مخالفات في ملاحقاتها لمصارف لبنانية، وتجاوزها حدّ السلطة، ورفضها الاستجابة لطلبات الرد والمداعاة المقامة بوجهها وتجاهلها إياها، بينما تستمرّ بوضع يدها على الملف، وذلك بناءً على كتب واردة إليه من وكيلي مصرفين مدعى عليهما.

وطلب رئيس الحكومة من وزير الداخلية الإيعاز إلى الأجهزة الأمنية المختصة بعدم تنفيذ القرارات الصادرة عنها، واتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تجيزها القوانين والأنظمة مرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون والمنع من تجاوزه والمحافظة على حسن سير العدالة.

وسريعاً، طلب وزير الداخلية من الأجهزة الأمنية عدم تأمين المؤازرة، أو تنفيذ أي إشارة أو قرار يصدر عن القاضية عون، في أي ملف يثبت أنه قد جرى تقديم طلب مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، وذلك لحين بتّ المرجع القضائي بهذا الطلب.

وجاء كتاب ميقاتي بعد إعلانه عبر مقابلة تلفزيونية مساء الثلاثاء، أن المصارف تتجه إلى فكّ إضرابها خلال 48 ساعة، مؤكداً وجوب حماية القطاع المصرفي الذي بدونه لا يمكن بناء أي اقتصاد.

وفي هذا السياق، قال مصدرٌ مصرفيٌّ لـ"العربي الجديد"، إن "إضراب المصارف مستمرّ حتى الساعة، ولا قرار بعد بفكه، خصوصاً أن أي تغيير لم يتم لمسه بعد، إذ لا تجوز هذه الهجمة القضائية على المصارف، وغالبيتها لتنفيذ أجندات سياسية، كما لا يمكن تحميل المصارف وحدها مسؤولية الأزمة".

ولم يصدر بعد أي قرار رسمي عن جمعية المصارف في لبنان حول الإضراب ومصيره، علماً أن هناك انقسامات كبيرة في صفوف أعضائها، سواء حول الموقف من الإقفال الجزئي والشامل، أو من تعاون بعض المصارف مع القضاء، من بينها بنك "لبنان والمهجر" و"الاعتماد المصرفي"، على صعيد تقديم الأوراق والداتا المطلوبة منها، فيما تتمسك مصارف أخرى بالتمرّد وعدم تلبية طلبات القضاء.

من جهتها، ردّت القاضية عون في تغريدة لها عبر حسابها على تويتر، واصفة ما حصل بالتدخل غير المسبوق في عمل القضاء، وبمناصرة من قبل وزير الداخلية للفريق المدعى عليه على حساب الجهة المدعية.

وتوجهت بالقول: "نصف الشعب اللبناني حُرم جنى عمره ورزقه ومدخراته، ألا يعنيك ذلك؟ كيف تسمح لنفسك بالتدخل في مسار الدعوى؟ هذا انهيار كلي للعدالة في هذا البلد المسكين".

في المقابل، أكد وزير العدل هنري الخوري، في بيان، تمسّكه باستقلالية القضاء، وبمبدأ فصل السلطات، وبعدم التدخل في عمله، وحرصه المطلق على مكانة القضاء، وحقوق المتقاضين.

وأشار ائتلاف استقلال القضاء في لبنان في بيان إلى أن "ما قام به رئيس الحكومة ووزير الداخلية يشكل تغولاً قد يكون الأخطر للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية في اتجاه إلغاء مبدأ الفصل بين السلطات والتعامل مع القضاء على أنه جزء من الإدارة العامة".

وقال الائتلاف إن "ميقاتي وجه كتاباً إلى هيئات عدة طلب بموجبه اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات بحق القاضية عون على خلفية استمرارها في التحقيق في قضية تهريب 9 مليارات دولار إلى الخارج عقب 17 أكتوبر 2019، واللافت أن الموقف صدر بناءً على كتب وردت إلى رئاسة الوزراء من وكيلي مصرفين مدعى عليهما أعلماه فيه أن القاضية عون تستمر في ملاحقتهما رغم التقدم بدعوى خاصة ضد الدولة على خلفية أعمالها خلافاً لقانون أصول المحاكمات المدنية".

وأضاف الائتلاف في بيانه: "وإذ كرّر ميقاتي حرفية ما جاء في هذين الكتابين محوّلاً نفسه إلى منبر لهما، فإنه انتهى إلى ما يشبه الحكم بأن القاضية عون تجاوزت حدّ السلطة في مواصلة عملها".

ورأى الائتلاف أن "كلا المرجعين ارتضيا أن يتحوّلا إلى ذراع سياسية لمؤازرة المصارف المدعى عليها في مسعاها لكفّ يد غادة عون، وطبعاً إلى أجل غير مسمّى طالما أن المرجع القضائي الصالح لبتّ دعاوى المخاصمة والذي لم يتجرأ ميقاتي على تسميته (وهي الهيئة العامة لمحكمة التمييز) هي بحكم غير الموجودة تبعاً لتقاعد غالبية أعضائها وتعطيل بدائل عنهم بفعل قرار سياسي تبنّاه رئيس مجلس النواب نبيه بري".

بدوره، اعتبر نادي قضاة لبنان في بيان أن ما حصل تدخل سافر يشكل خطيئة كبرى وسابقة خطيرة تجافي أبسط المبادئ القانونية وينبغي الرجوع عنها فوراً من دون إبطاء، داعياً المراجع القضائية ووزير العدل إلى التصدي لهذا الاعتداء السافر مع احتفاظه لنفسه بحق اتخاذ أي موقف إضافي تصعيدي عند الاقتضاء.

وفي جعبة القاضية غادة عون التي تُتّهم بتنفيذ أجندات سياسية وأنها محسوبة على "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، صهر الرئيس الأسبق ميشال عون، الكثير من الادعاءات على المصارف، آخرها بشكويين مقدّمتين من جمعية "الشعب يريد إصلاح النظام"، الأولى على بنك عودة، ورئيس مجلس إدارته سمير حنا، ورئيس مجموعة بنك عودة تامر غزالة وكل من يظهره التحقيق بجرم تبييض الأموال.

كذلك، ادعت القاضية عون بناءً على شكوى الجمعية، على بنك "سوسيتيه جنرال" ورئيس مجلس إدارته أنطون الصحناوي وكل من يظهره التحقيق بجرم تبييض الأموال سنداً للمادة الـ(8) فقرة ب بند 1 من قانون رفع السرية المصرفية معطوفة على المادة الثالثة بند 1 من قانون تبييض الأموال رقم 44/2015، ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة سنداً للمادة الـ(13) من قانون تبييض الأموال.

المساهمون