"الضفدع المغلي" يحل مشكلات مصر الاقتصادية

10 يناير 2024
مشاريع تطاول النقل البحري (Getty)
+ الخط -

أعلنت وزارة النقل المصرية، الأسبوع الماضي، عن توقيعها اتفاقا مع مجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية لتقوم الأخيرة بتطوير وتشغيل وصيانة محطات الركاب وخطوط الرحلات البحرية في موانئ الغردقة وسفاجا وشرم الشيخ، على البحر الأحمر، الذي ظهرت بجلاء أهميته للتجارة العالمية، لتضاف إلى روعته كوجهة سياحية، خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال بيان الوزارة إن العقد سيلزم أيضا مجموعة موانئ أبوظبي بتطوير سياحة اليخوت والسفن السياحية في مصر، كما أنه سيساهم في تسيير خطوط ملاحية بين ميناء زايد وموانئ سفاجا والغردقة وشرم الشيخ، على أن يتم لاحقاً تطوير خطوط ملاحية من موانئ الخليج العربي وميناء العقبة وموانئ أوروبية وآسيوية وإليها.

ولم تذكر الحكومة المصرية حتى كتابة هذه السطور قيمة العقد أو مدته. وكانت مصر قد وقعت قبل نهاية العام الماضي العقد النهائي الخاص بمنح هيئة موانئ أبوظبي الإماراتية التزام بناء وتطوير البنية الفوقية وإدارة وتشغيل وصيانة وإعادة تسليم محطة ميناء سفاجا البحري متعددة الأغراض في محافظة البحر الأحمر.

ومنح العقد هيئة موانئ أبوظبي الحق في إدارة وتشغيل محطة "سفاجا 2" بميناء سفاجا البحري لمدة 30 عاماً من تاريخ استلام أرض المشروع من الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر. وصرح وزير النقل المصري كامل الوزير بأن التوقيع على العقد النهائي جاء "تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بتطوير الموانئ المصرية، والاستغلال الأمثل لموقعها الاستراتيجي على البحرين الأحمر والمتوسط، وتعظيم التعاون مع القطاع الخاص الدولي والمحلي في هذا الصدد".

وأضاف أن وزارة النقل تعمل على تنفيذ خطة شاملة لتأهيل الموانئ البحرية المصرية لجذب خطوط الملاحة والتجارة العالمية. في السنوات الأخيرة، زادت الاستثمارات الإماراتية في مصر بشكل كبير، وأصبحت الإمارات من أكبر المستثمرين في مصر، بالتزامن مع احتدام أزمات الاقتصاد المصري، سواء المتعلقة بتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، أو المرتبطة بتزايد الديون الخارجية، ومعاناة مصر لتوفير المبالغ المطلوب سدادها للدائنين أو الموردين. وتشمل الاستثمارات الإماراتية في مصر قطاعات السياحة والعقارات والبنية التحتية والطاقة والخدمات المالية والأسمدة.

وبدأت الظاهرة الإماراتية في لفت أنظار المصريين منذ فترة طويلة، لكنها تزايدت بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2019، أطلق صندوق مصر السيادي منصة استثمارية مع الإمارات بقيمة 20 مليار دولار، للاستثمار المشترك في مجموعة متنوعة من القطاعات والمجالات داخل مصر.

وفي حين أعلنت الحكومة المصرية عن الاستثمارات الإماراتية باعتبارها استثمارات أجنبية جديدة داخلة للبلاد، فوجئنا جميعاً بكونها في أغلبها عمليات شراء لحصة الحكومة المصرية في مجموعة من أكبر وأنجح الشركات المصرية القائمة. وفي عام 2021، اشترت الشركة القابضة التابعة للصندوق السيادي الإماراتي شركة آمون للأدوية، ووافقت الدار العقارية، بدعم من شركة ألفا أبوظبي القابضة، على شراء شركة "سوديك"، وهي إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في مصر، وكذلك شركة الإسماعيلية للاستثمارات الزراعية والصناعية المالكة للعلامة التجارية "أطياب"، واسعة الانتشار في البيوت المصرية. وفي إبريل/ نيسان 2022، تم الإعلان عن استحواذ صندوق أبوظبي السيادي على حصص رئيسية في 5 شركات مقيّدة ببورصة مصر.

وكانت الشركات هي البنك التجاري الدولي، وشركة "فوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية"، وشركة "الإسكندرية لتداول الحاويات"، وشركة "أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية"، وشركة "مصر لإنتاج الأسمدة – موبكو"، بقيمة إجمالية للصفقات الخمس تقترب من ملياري دولار.

وتم تنفيذ الصفقات فور إعلان البنك المركزي عن تعويم الجنيه (وقتها)، والذي شهد خسارته نحو 15% من قيمته، بما يعني أن الحكومة المصرية اضطرت لمنح الإمارات اقتطاعاً بنسبة 15% في سعر العملة فقط، لإغرائها بشراء الشركات. وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية عن نيتها النظر في الطلب المقدم من بنك أبوظبي الأول بتقديم عرض شراء إجباري لاستحواذ محتمل على نسبة أغلبية لا تقلّ عن 51% من أسهم المجموعة المالية هيرميس القابضة المصدرة التي تصنف بأنها أكبر بنك استثمار في منطقة الشرق الأوسط.

وتعمل في مصر حالياً خمسة من البنوك الإماراتية. ورغم أن الإمارات تعد أكثر دول العالم شراء للشركات المصرية، فإنها لا تفعل ذلك وحدها، حيث تقوم السعودية وقطر بالشيء نفسه، وإن بدرجة أقل كثيراً مما تفعل الإمارات، ليجد المصريون أنفسهم شيئاً فشيئاً في الإناء نفسه مع "الضفدع المغلي".

وقصة الضفدع المغلي هي حكاية ضفدع يتم وضعه في إناء فيه ماء مغلي، فإذا به يقفز هارباً خارج الإناء بمجرد لمسه للماء. فإذا ألقي به في إناء فيه ماء فاتر، ثم تم تسخين الإناء بما فيه إلى درجة الغليان، لا يشعر الضفدع بما يتم التجهيز له حتى تغلي المياه، وغالباً ما يعجز وقتها عن الهروب، حتى يصل إلى نهايته المفجعة.

ويصور التعبير عدم إدراك الضفدع للتورط التدريجي في أزمته! تسخين المياه للمصريين يتم من خلال الإفراط في بيع الأصول المصرية، طمعاً في جمع أي عملة أجنبية، دون إدراك مدى توغل الإماراتيين في الاقتصاد المصري، وما قد تترتب على ذلك من كوارث. يحدث الشيء نفسه في قناة السويس التي حذر الكثيرون من بيعها، بعد تلميحات من الحكومة، فإذا بنا نسمع بقرار مجلس الوزراء بإنشاء شركة قابضة لقناة السويس، يندرج نظام عملها تحت قانون خصخصت الدولة تحت مظلته الكثير من الشركات خلال العقود الثلاثة الماضية.

وأشار البيان الحكومي الذي أعلن عن إنشاء الشركة القابضة إلى نقل تبعية شركتين من شركات القناة السبع لهذه الشركة القابضة، وهما شركتا القناة لرباط وأنوار السفن، وشركة بورسعيد للأعمال الهندسية والإنشاءات البحرية، في ما يبدو أنه سيكون عملية بيع تدريجية للقناة أو لحقوق استغلالها. سياسة الضفدع المغلي يبدو أنها ستكون حاضرة معنا في الفترة القادمة في مصر. فهل ننتبه قبل أن تغلي المياه ونحن داخل الإناء؟!

المساهمون