العراق: ارتفاعات قياسية لأسعار العقارات السكنية

23 مارس 2022
العقارات ملاذ آمن للمستثمرين وقت الاضطرابات (فرانس برس)
+ الخط -

للشهر الرابع على التوالي تواصل أسعار العقارات السكنية والتجارية في العراق الارتفاع مسجلة أرقاما قياسية غير مسبوقة منذ نحو ثماني سنوات (قبل اجتياح داعش مناطق شمال وغربي البلاد عام 2014).

ويأتي ذلك وسط غياب المعالجات الحقيقية لأزمة السكن التي تقول السلطات إن البلاد بحاجة إلى نحو مليوني وحدة سكنية للتخفيف من حدة الأزمة الحالية.
وتصدرت بغداد وكربلاء والنجف والبصرة والفلوجة والرمادي والحلة مدن العراق في معدل أسعار العقارات المرتفعة، إذ يقول مراقبون إن الكثير منها أغلى من عقارات موجودة في مدن بدول مجاورة للعراق مستقرة، مثل إسطنبول وطهران وعمّان.

ويقول مراقبون إن الأمن والاستقرار الاجتماعي يلعبان دورا كبيرا في تقييم سعر العقار، بغض النظر عن وجود خدمات المياه والكهرباء وشبكات الصرف الصحي والطرق أو عدمها.

وبلغ معدل سعر العقار السكني في حي الكرادة ببغداد مثلا أكثر من 280 ألف دولار، بفارق عما كانت عليه عام 2015، حيث كان معدل العقارات في الحي نفسه نحو 180 ألف دولار، وفي العام الماضي وصل إلى عتبة 250 ألف دولار، في حين سجلت مبيعات بمناطق أخرى مليوني دولار لبعض المنازل والمباني السكنية، عبر تقييم المبنى بحسب مساحته ووفق سعر بيع المتر الواحد الذي يراوح في بعض المناطق بين 1200 و2000 دولار.
وأخيرا أصدر الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، دراسة ميدانية عن عدد العقارات والوحدات السكنية في العراق، والتي تبلغ حسب آخر إحصائية 4 ملايين و520 ألف مبنى ووحدة سكنية، وتشكل الشقق في مباني العمارات السكنية نسبة (23.9)، فيما تشكل مباني الدور السكنية نسبة (76.1%)، منها (70.2%) في المناطق الحضرية ومراكز المدن، بينما تقع نسبة (29.8%) من هذه المباني ضمن المناطق الريفية في عموم العراق.
صاحب شركة للتجارة العقارية في العراق، يدعى قائد العبيدي، قال إن الطلب تزايد بشكل كبير على شراء المنازل والأراضي السكنية في بغداد والمحافظات، ما تسبب بارتفاع أسعار العقارات لتصل إلى مستويات غير مسبوقة. وأضاف العبيدي متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن المواطنين بدأوا استثمار أموالهم في شراء العقارات "بسبب وجود مخاوف كبيرة لدى أصحاب الأموال من تغيير سعر صرف الدينار مقابل الدولار الذي قد يفقدهم قيمة ما لديهم من إيداعات نقدية لدى البنوك، لذا بات الخيار المتوفر إما شراء الذهب أو العقارات، والأخير خيار أحسن من الذهب لوجود هامش ربح جيد بالعقارات".
وأكد العبيدي أن بغداد باتت تنافس عواصم عربية وعالمية في غلاء أسعار العقارات، حيث وصلت الأسعار إلى أكثر من مليوني دولار للمنزل الواحد في معظم مناطق بغداد، وتحديداً في جانب الكرخ.

الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني عزا هذا الارتفاع إلى أسباب مباشرة أدت إلى تزايد الطلب على العقارات، وأضاف خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن من بينها "بناء مجمعات سكنية عالية الكلفة وغير مدعومة من قبل الدولة، وتصل أسعارها إلى أكثر من 200 ألف دولار للشقة السكنية الواحدة، ما دفع المشترين إلى شراء المنازل والأراضي السكنية، إضافة إلى إصدار وزارة الخزانة الأميركية عقوبات بحق شخصيات وشركات مختلفة، ما دفعهم لتغيير استثماراتهم بدلاً من تهريبها خارج العراق، عبر شراء عقارات بأسعار خيالية سُجلت بأسماء وكلائهم، لأنهم وجدوا في الاستثمار العقاري جدوى مربحة أفضل من إيداع الأموال في البنوك".
وبيّن الخبير الاقتصادي أن هناك عددا من المصارف أفلست ووضعت تحت الوصاية، ما تسبب بخسائر كبيرة لأموال المودعين وصغار المساهمين، دون وجود أي حلول من قبل الحكومة العراقية، وأضاف أن الدينار العراقي فقد قيمته النقدية بعد ارتفاع سعر الدولار، وأي تصريح إعلامي يصدر من أي مسؤول يدفع المودعين إلى سحب أموالهم من البنوك، على الرغم من أن البنك المركزي حاول تشكيل هيئة ضمان الودائع، إلا أن هذه الهيئة لم تأخذ دورها لغاية الآن.
في المقابل، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي باسم أنطوان أن سبب إقبال الناس على شراء العقارات في العراق يعود لانخفاض القوة الشرائية للعملة، ويحاول المواطن أن يحتفظ بقيمة العملة عبر موجودات ثابتة لا تتأثر بمتغيرات السوق، مثل الذهب والعقار.

وأضاف أنطوان متحدثا لـ"العربي الجديد"، أنه نتيجة لانخفاض قيمة العملة العراقية في السوق المحلية يحاول المواطن التخلص من القيمة النقدية، والاتجاه نحو شراء موجودات ثابتة لا تنخفض قيمتها مع انخفاض قيمة العملة.
ويجد أن الحل الأفضل لحل هذه المشكلة هو أن تتولى الدولة مراقبة عمليات بيع العقارات وبناء وحدات سكنية، والاتجاه نحو البناء العمودي، الذي سيؤدي بدوره إلى سحب العملة الصعبة من السوق، وبقاء أسعار العقارات في نوع من التوازن.

المساهمون