اللبنانيون أجانب في بلدهم: الدفع بقيمة دولار السوق السوداء

اللبنانيون أجانب في بلدهم: الدفع بقيمة دولار السوق السوداء

02 مارس 2023
تهاوي القدرة الشرائية للمواطنين (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

يُمكن اختصار المشهد أمس الأربعاء، في المتاجر اللبنانية بأشخاصٍ يلقون نظرة على الأسعار المُحدَّدة بالدولار وبيدهم هاتفهم المحمول لاحتساب كلّ غرض وفق سعر الصرف المُعتمَد، والذي تجاوز مساء 92 ألف ليرة قبل أن يتراجع إلى أقل من 80 ألفا عند إقفال السوق السوداء إثر إصدار مصرف لبنان قرارا من 12 بندا بهدف ضبط السوق.

وبدأت أمس، مرحلة جديدة غير مسبوقة في لبنان بتسعير كل السوبر ماركت (المتاجر) للمواد الغذائية والسلع على الرفوف بالدولار الأميركي مع وضع شاشة تُحدّد سعر الصرف المُعتمَد بالليرة والقابل للتغيير خلال النهار، وقد اختلف السعر بين سوبر ماركت وآخر على صعيد المناطق اللبنانية.

يقول صاحب سوبر ماركت في بيروت لـ"العربي الجديد"، إنّ "ورشة كبيرة بدأت قبل أسابيع للتجهيز لهذا اليوم، فهناك نظام تغيّر بالكامل وكان يتطلب وقتاً لإتمامه، وحالياً كل البضائع مسعّرة بالدولار، ويمكن للمواطن أن يدفع بالدولار النقدي أو بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الذي نحدده بشكل واضح في السوبر ماركت".

ويشير إلى أن "سعر الصرف يتغيّر خلال النهار، وتبعاً لمسار الدولار سواء صعوداً أو انخفاضاً، ولكننا نحرص على أن يكون هناك فارق زمني إذ من غير الطبيعي استحداثه كل نصف ساعة أو ساعة، إلّا إذا كان الارتفاع كبيراً وكذلك الأمر بالنسبة إلى التراجع".
ويلفت صاحب السوبر ماركت إلى أنه لا يمكن إلزام الناس بالدفع بالدولار، فالفاتورة تكون بالليرة وعليها أيضاً السعر بالدولار، ولهم حرية الاختيار.

من جهتها، تقول المواطنة ميسا، "المشهد اليوم غريب داخل السوبر ماركت، ولا يمكن رؤيته في أي بلدٍ آخر، للوهلة الأولى تشعر وكأنك في الولايات المتحدة وليس في لبنان، الأسعار كلها بالدولار، وكأن لا عملة وطنية موجودة".

وتشير ميسا، وهي زبونة في السوبر ماركت، إلى أنه عند رؤية الأسعار، خصوصاً السلع التي تباع بدولار واحد أو دولارين أو ثلاثة، تشعر وكأنها رخيصة جداً، وتتحمّس لشرائها، ولكن عندما تحتسبها وفق سعر الصرف تصبح مرتفعة جداً، فنحن في النهاية نتقاضى رواتبنا بالليرة وليس بالدولار، والضربة الأكبر عند جمعها كلها، فنكون أمام أرقام خيالية، مليون، ومليونان و3 ملايين ليرة، وهي أرقام تساوي راتب موظف بالشهر، وهنا نتحدث فقط عن شراء مواد غذائية أساسية وبكميات قليلة منها.

وتلفت ميسا إلى أن شراء الأغراض من المتاجر الكبرى يبقى أسهل بالنسبة إليها من تلك الصغيرة، ففي الحيّ عندنا مثلاً في منطقة الجديدة في المتن، هناك سوبر ماركت صغير لا يضع شاشة تحدد سعر الصرف، ولم يسعّر بضائعه، فنسأل عن سعر كل غرض، وكم سعر صرف الدولار، فتكون العملية أكثر عشوائية وقابلة للتلاعب.

في السياق، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان زهير برو لـ"العربي الجديد"، إنّ الخطوة اليوم عبارة عن فقاعة من دون أي حلول جذرية لمشاكل البلد، معتبراً أننا "أمام حكم يدّعي الفشل لكن كله متعاون عن وعي أو غير وعي لمصلحة المصارف وكبار التجار والمسؤولين".

ويلفت برو إلى أن سعر صرف الدولار ارتفع منذ إعلان وزارة الاقتصاد والتجارة قبل فترة قصيرة السير بتجاه "الدولرة" أكثر من 20 ألف ليرة، والمسار إلى تصاعدٍ أكثر، ما يعني مزيدا من انهيار الليرة، والقدرة الشرائية عند المواطنين، مشيراً إلى أن المنفعة الوحيدة تصب في مصلحة التجار فقط، كما أن هذه الخطوة ستفتح الأبواب أكثر أمام استعمال الدولار بكل القطاعات ليطاول حتى الصناعات المحلية، الأمر الذي يعتبر مضرّا للمستهلك ومسيئا لعملة البلد التي يحلّ محلها الدولار.

ويرى برو بذلك أن كل شخص سوف يتعامل بالدولار من الآن فصاعداً، حتى الذين لا يشترون البضائع بالدولار أو مهنتهم لا علاقة لها بالاستيراد مثلاً، سيرفعون الأسعار باعتبار أنهم يدفعون بالدولار أو وفق سعر صرف السوق السوداء، بعدما أصبحت الأجور كلها بلا قيمة، والحد الأدنى اليوم لا يتجاوز 5 و6 دولارات.

ويؤكد أننا أمام عملية نهب القدرة الشرائية عند الناس بعد نهب ودائعهم، التي يسحبونها على 15 ألف ليرة، بينما الأسعار كلها بالدولار وبأسعار صرف تلامس 90 ألف ليرة، والدولار الجمركي أصبح 45 ألف ليرة، في مشهدية واضحة تظهر تماماً أننا أمام حكم مجرم يشكل خطراً على الشعب، وهذا لم يأتِ فجأة، بل هو موجود بطبيعة النظام الطائفي الذي من دون التخلص منه ووضع سياسات اقتصادية جديدة لن ينهض البلد.
وكان لافتاً أول من أمس الثلاثاء، انضمام المستشفيات في لبنان إلى المطالبين بدولرة الفواتير، علماً أن معظمها يشترط منذ فترة على المرضى الدفع بالدولار النقدي وإلا فلن تستقبلهم.

وقد انعكس الارتفاع الكبير للفاتورة الاستشفائية بتراجع نسب إشغال الغرف لأكثر من 50% مقارنة مع الأرقام التي كانت تسجل قبل الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد أواخر عام 2019.
وعلى صعيد حصار الغلاء الذي يتعرّض له المواطنون في لبنان، فقد شهدت أسعار المحروقات صباح أمس ارتفاعاً إضافياً بعدما زادت أول من أمس مرتين خلال النهار.

المساهمون