النفط وكورونا يدفعان موازنة الجزائر لعجز تاريخي في 2021

28 ديسمبر 2020
جائحة كورونا فاقمت الصعوبات الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -

تستقبل الجزائر العام الجديد 2021، بعجز تاريخي في موازنتها العامة فاق 22 مليار دولار، وسط تساؤلات حول السبل والبدائل التي ستواجه بها الحكومة هذه الوضعية غير المسبوقة.

ومنذ الأزمة النفطية عام 2014، راوح عجز الموازنة العامة للجزائر بين 13 و 17 مليار دولار. بينما توقعت الحكومة إيرادات بنحو 43.31 مليار دولار في 2021، ونفقات بقيمة 65.95 مليار دولار، ما يدفع العجز للوصول إلى 22.6 مليار دولار، بما يعادل 13.57% من إجمالي الناتج المحلي.

ولا تقتصر الضغوط المالية على تسجيل عجز في الموازنة التي صادق عليها البرلمان نهاية الشهر الماضي، وإنما تتوقع الحكومة تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى أقل من 46.8 مليار دولار، من 56 ملياراً حاليا، تغطي 16.2 شهراً من الواردات.

ووفقاً للتقديرات الحكومية، فإنّ احتياطات النقد الأجنبي سترتفع اعتباراً من 2022، إلى 47.53 مليار دولار، ثم 50.02 مليار دولار في 2023، بينما كانت الاحتياطات قد بلغت ذروتها التاريخية في يونيو/ حزيران 2014، حين تخطت 194 مليار دولار.

وتم اعتماد مشروع الموازنة العامة بناء على سعر مرجعي للنفط في حدود 40 دولاراً للبرميل، بعد أن تم تخفيضه في قانون موازنة 2020 إلى 30 دولاراً تحت ضغط جائحة كورونا.

ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز) التي تشكل 93% من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وفق بيانات حكومية رسمية.

وتراجعت إيرادات الجزائر من النقد الأجنبي منذ 2014 بسبب الصدمات النفطية المتعاقبة، من 60 مليار دولار إلى 33 مليار دولار في 2019، وتوقعات بـ 23 مليار دولار نهاية العام الجاري.

ومنذ أشهر، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أن بلاده ورغم ظروفها الاقتصادية والمالية الصعبة لن تلجأ إلى الاقتراض الخارجي.

لكن وزير المالية الجزائري الأسبق عبد الرحمن بن خالفة، رأى أن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية يبقى أحد الخيارات المطروحة وخصوصا لدى الهيئات المالية الدولية كالبنك الأفريقي للتنمية وصندوق النقد والبنك الدوليين.

وقال بن خالفة، في حديث لوكالة "الأناضول"، إن هذه الهيئات لها شروط استدانة أنسب من البنوك الخاصة الدولية، مضيفاً أن "أمام الحكومة إمكانية أيضا لتعبئة موارد مالية ضخمة من السوق الداخلية من خلال عدة إجراءات".

وأوضح أنّ من هذه الإجراءات، العودة إلى تدابير الاحتواء الضريبي الطوعي الذي تم البدء فيه قبل سنوات، خصوصا لدى القطاع الخاص، حيث تقدر الموارد غير المتحصلة بمليارات الدولارات.

ولفت إلى إمكانية إطلاق سندات جديدة بصيغ وأفكار وتحفيزات جديدة أيضاً، لاستقطاب الكتل المالية المتداولة خارج البنوك، مضيفاً أنّ "سندات الخزانة يمكن أن تكون أيضا بصيغ غير ربوية على غرار الصكوك الإسلامية". وتشير تقديرات حكومية جزائرية إلى تواجد أكثر من 40 مليار دولار يتم تداولها خارج البنوك وفي السوق السوداء.

وتوقع وزير المالية الأسبق أن يتم تحصيل 20 مليار دولار على الأقل، من الكتل النقدية المتواجدة خارج التداول الرسمية، لافتاً إلى أن أمام الحكومة عدة بدائل لمواجهة عجز الموازنة العام المقبل مع مرافقتها بإصلاحات جذرية تمتد في الزمن، وليس بحلول نقدية ظرفية.

وتابع أن للحكومة هامشاً للتحرك يمتد لـ 14 أو 15 شهراً بالنظر لمستويات احتياطات النقد الحالية، التي تقارب 50 مليار دولار وهو ما يغطي تقريباً 14 أو 15 شهرا من الواردات، "لذلك سنة 2021 ستكون صعبة للجزائر لكنها ليست سوداء"، كما يقول.

واستبعد بن خالفة، عودة الحكومة مجدداً إلى التمويل غير التقليدي أو ما يعرف بطبع الدينار. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017 لجأت حكومة رئيس الوزراء أحمد أويحيى (مسجون حاليا بقضايا فساد)، لطبع العملة المحلية لتغطية العجز وسداد الدين الداخلي.

وحسب بيانات سابقة للمركزي الجزائري فقد تم طبع ما قيمته 56 مليار دولار حتى مايو/ أيار 2019، استخدم منها ما قيمته 26 مليار دولار.

ومن الحلول المتاحة أمام الحكومة حسب بن خالفة تنشيط وتنويع منتجات الصيرفة الإسلامية، وفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

بيد أن الحكومة تعتزم اللجوء إلى أدوات أخرى لتوفير موارد مالية، حيث أعلنت في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري أنها تعتزم السماح للقطاع الخاص بالمساهمة في المؤسسات العامة، من أجل إنعاشها وإعادة إدخالها في الدورة الاقتصادية، بعد تعطل العمل في بعض المؤسسات المملوكة للدولة.

وكانت شركة الصناعات الكهرومنزلية المملوكة للدولة قد أعلنت إفلاسها، قبل نحو أسبوعين، وأحالت 1700 عامل على البطالة التقنية، لكن العمال رفضوا القرار، وطالبوا الحكومة بالتدخل لإنقاذ المؤسسة ووضع خطة إنعاش ورقابة مالية جديدة.

كما سبق أن أعلنت الحكومة فتح رأس مال البنوك العمومية عن طريق البورصة (طرح حصة من الأسهم أمام المستثمرين) وتدشين فروع في الخارج خلال العام المقبل 2021.

ولم يخف وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن، مطلع هذا الشهر، أن هذه الخطوة تأتي من أجل ضخ أموال إضافية لمواجهة أزمة السيولة التقدية التي جاءت بفعل تراجع عائدات تصدير المحروقات واتساع العجز المالي.

وفي الأشهر الأخيرة، اتسعت دائرة أزمة السيولة النقدية، لتنتقل من البنوك إلى مراكز البريد، الأمر الذي يهدد رواتب ومعاشات ملايين الجزائريين، الذين يصرفون مستحقاتهم من خلال هذه المراكز التي أضحت مشاهد الانتظار لطوابير طويلة أمامها مألوفة في الآونة الأخيرة، بينما تنفي الحكومة وجود أزمة في الأموال.

وتظهر البيانات المصرفية الرسمية أن حجم السيولة المتداولة في البنوك هوى إلى ما دون 8 مليارات دولار، لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً، ما يهدد النظام المصرفي، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى موارد مالية لدعم الاقتصاد المتعثر بسبب تراجع عائدات النفط، وجائحة كورونا التي أضرت بالاقتصاد وباتت تهدد الآلاف من الشركات بالإفلاس.

وقفزت نسبة العجز في السيولة من 49% في مارس/ آذار إلى 55% في نهاية مايو/ أيار، بينما كانت 20% في مطلع 2019، بحسب تقرير حديث صادر عن البنك المركزي.

وفقدت البنوك سيولة تقدر بنحو 180 مليار دينار (1.4 مليار دولار)، بنهاية مايو/ أيار، مقارنة مع ديسمبر/ كانون الأول 2019، لتستقر عند 916 مليار دينار (7.9 مليارات دولار)، بحسب بيانات المركزي، وهو رقم غير مسبوق في السنوات العشرين الماضية.

واضطر البنك المركزي إلى التدخل لإنقاذ القطاع المصرفي، إذ سمح للمصارف والمؤسسات المالية المعتمدة في البلاد باللجوء إلى تخفيض احتياطاتها الإلزامية إلى 6% من إجمالي موجوداتها بعدما كانت عند 12% مطلع العام. كما شدد "المركزي" في يونيو/ حزيران الماضي، القيود على منح القروض،حيث جرى خفض نسبة منح القروض الاستثمارية والعقارية لأكبر درجة ممكنة.

إلا أن هذه القرارات لم تكن كافية وفق محللين اقتصاديين، ما دعا الحكومة إلى الإعلان عن اعتزامها طرح حصص من البنوك العمومية في البورصة وهو أحد أشكال الخصخصة للحصول على موارد مالية إضافية.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون