تجار التجزئة الأوروبيون يواجهون فترة فوضوية وسط مناوشات البحر الأحمر

تجار التجزئة الأوروبيون يواجهون فترة فوضوية وسط مناوشات البحر الأحمر

22 يناير 2024
متاجر الأغذية تشعر بالقلق من نقص محتمل في الإمدادات (فرانس برس)
+ الخط -

تخشى الأسواق الأوروبية انتقال الفوضى التي تسببت فيها اضطرابات سلاسل التوريد، بسبب المناوشات العسكرية في البحر الأحمر ، إلى تجارة التجزئة بعدما أدت إلى تعطيل العديد من المصانع وإغلاق بعضها بشكل مؤقت خلال الأيام الماضية.

وحذر خبراء لوجستيون من اتساع تداعيات الهجمات على الشحن في الممر الملاحي الحيوي للتجارة العالمية، ونشوء فترة "فوضوية" للمصنعين وتجار التجزئة في أوروبا على حد سواء.

وجرى تغيير مسار جميع سفن الحاويات تقريباً بعيداً عن البحر الأحمر ومن ثم قناة السويس المصرية نحو الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح منذ أن شنت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات على الحوثيين في اليمن، الذين وسعوا قائمة أهدافهم لتشمل السفن التجارية الأميركية والبريطانية رداً على الضربات ضدهم، بينما كانوا يركزون هجماتهم في السابق على السفن الإسرائيلية وغيرها التي تبحر نحو إسرائيل في بداية ضرباتهم.

ويؤثر هذا التحول بشكل رئيسي على الإبحار بين آسيا وأوروبا، مما يضيف ما يصل إلى أسبوعين إلى الرحلة العادية التي تستغرق 35 يوماً ويخلق فجوات طويلة بين وصول السفن إلى الموانئ الأوروبية.

شبكة جديدة أكثر موثوقية

وقال سايمون هيني، المدير الأول لأبحاث الحاويات في شركة "دروري" لاستشارات الشحن، ومقرها لندن إن هناك "ألماً بالتأكيد" لعملاء شركات الشحن نتيجة لذلك، مضيفاً وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الأحد: "في هذه الفترة المؤقتة، يبدو الأمر فوضوياً بعض الشيء" وذلك على الرغم من أنه يُتوقع أن تنشئ خطوط الشحن "شبكة جديدة أكثر موثوقية" في "فترة قصيرة إلى حد ما".

وأدى تأخر وصول المكونات إلى توقف خطوط إنتاج بعض شركات تصنيع السيارات الكبرى، منها تسلا للسيارات الكهربائية الأميركية التي قالت في وقت سابق من الشهر الجاري، إنها ستعلق معظم إنتاج السيارات في مصنعها الواقع بالقرب من العاصمة الألمانية برلين في الفترة من 29 يناير/كانون الثاني وحتى 11 فبراير/شباط المقبل.

كذلك كشفت "فولفو" تعليق الإنتاج بمصنعها في بلجيكا، الأسبوع الجاري، كما أعلنت سوزوكي اليابانية أن مصنعها توقف عن إنتاج طرازي "فيتارا" و"إس. كروس" في الفترة من 15 إلى 21 من هذا الشهر، فيما بدأت "فولكسفاغن" الألمانية إعادة توجيه شحنات قطع غيار السيارات لتسلك المسار حول جنوب أفريقيا، بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر، لتجنب أزمة توريد.

وإذا استمر الاضطراب، فمن المحتمل أن تنتقل الاضطرابات إلى المستهلك النهائي، حيث يجري استنفاد مخزون تجار التجزئة بسبب التأخير، وتواجه الشركات التي تقوم بشحن البضائع رسوماً إضافية، إذ تحاول خطوط الشحن استرداد تكاليف عمليات التحويل.

وقال كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لشركة "ستيلانتس" المالكة لسيارات جيب وبيجو، إنه يتوقع أن يؤدي التأخير إلى زيادة تكاليف الشحن بالنسبة لشركات صناعة السيارات، مضيفاً: "متأكد من أنّ شركات الخدمات اللوجستية ستستخدم حقيقة أننا نستخدم السفن لفترة أطول للتفاوض على التكلفة".

ازدحام في الموانئ الأوروبية

بدوره، قال نيلز هاوبت، المتحدث باسم خط الشحن هاباغ لويد ومقره هامبورغ في ألمانيا، إنه قد يكون هناك أيضاً ازدحام في الموانئ الأوروبية مع وصول السفن خارج الأوقات المحددة، مضيفاً: "هذا الأسبوع، كان لدينا ثماني سفن في هامبورغ، وهو عدد كبير".

ولا تزال بعض السفن تبحر عبر قناة السويس. وكانت بكين محايدة بشأن هجمات الحوثيين، لكنّ التعطيل أدى إلى رفع أسعار الشحن، مما أثر على الشركات الصينية، وفقًا للمحللين. ونظراً لكون أوروبا شريكاً تجارياً رائداً، فإن هذا الطريق مهم للصين، التي دعت قبل أيام "جميع الأطراف المعنية" إلى "ضمان سلامة الملاحة في البحر الأحمر".

وقالت شركة "سي إم ايه سي جي إم" (CMA CGM) الفرنسية، ثالث أكبر مجموعة شحن للحاويات في العالم، إنها غيرت مسار السفن حول أفريقيا، على الرغم من أن بعضها لا يزال يُرسل عبر قناة السويس عندما تتمكن من الحصول على مرافقة السفن الحربية الفرنسية.

وقال رودولف سعادة، مالك ورئيس الشركة التي يقع مقرها في مرسيليا، إن جداول " سي إم ايه سي جي إم" تضررت بسبب إعادة التوجيه، والتأخير في انتظار مرور البحر الأحمر والتراكمات في الموانئ.

وأضاف سعادة لصحيفة فاينانشال تايمز، أنّ "ذلك يسبب الكثير من الصعوبات" مشيراً إلى أن المجموعة كانت تحاول مساعدة الشركات على التخطيط من خلال التحديثات المستمرة بشأن مواعيد الوصول. وتابع: "جداولنا الآن في حالة فوضى تامة ولا نستطيع الالتزام بالمواعيد".

وبدأت التداعيات تتسع، إذ لم تعد تقتصر على صناعة السيارات وإنما تطاول إنتاج الأغذية وقطاعات أخرةى مثل الملابس. وقالت شركة دانون الفرنسية إنها ستبدأ في وضع "خطط تخفيف"، بما في ذلك استخدام بدائل مثل الشحن الجوي، إذا استمر اضطراب البحر الأحمر لأكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر.

انعكاسات على جيوب المستهلكين

طول أمد الأزمة سينعكس على جيوب المستهلكين، إذ يمكن أن تتأخر المنتجات الغذائية مثل "اللحوم المجمدة من نيوزيلندا أو أستراليا، والتي تجد طريقها أيضا إلى طاولة الطعام.

وفي مجال البيع بالتجزئة، حذرت مجموعة بيبكو، التي تمتلك سلسلة متاجر باوند لاند البريطانية وتدير ما يقرب من 3500 متجر يركز على الملابس في جميع أنحاء أوروبا، يوم الخميس الماضي، من أن الوضع يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن وتباطؤ عمليات التسليم.

وأضافت أن خطوط الشحن تفرض رسوماً إضافية على شحنات البضائع لتعكس التكاليف الإضافية المتكبدة، وحذرت من أن "مشكلة طويلة الأمد في المنطقة يمكن أن تؤثر أيضاً على العرض في الأشهر المقبلة". وعادة ما يتم طلب البضائع العامة مثل الملابس قبل أشهر، مما يجعل تجار التجزئة أقل عرضة للخطر من الشركات التي تعتمد على التسليم في الوقت المناسب.

لكن سايمون ولفسون، الرئيس التنفيذي لشركة "نكست" لبيع الملابس بالتجزئة، قال إن تغيير المسار كان "إزعاجاً، وليس أزمة"، مضيفاً أنّ المجموعة لديها مخزون كبير في مستودعاتها وفي المتاجر و"لن ننتقل فجأة من وجود مخزون كبير في متاجرنا إلى لا شيء".

بدوره، أشار سيمون جيل، نائب الرئيس التنفيذي للمشتريات في شركة "بروكسيما" الاستشارية، إنه بينما يمكن لبعض تجار التجزئة استخدام الشحن الجوي للتغلب على التأخير، فمن المحتمل أن يكون هذا خياراً لأولئك الذين لديهم هوامش ربح سخية بما يكفي لاستيعاب التكاليف الإضافية.

وبدلا من ذلك، قد يضطر تجار التجزئة إلى البدء في طلب البضائع من آسيا في وقت مبكر. وقالت نيكولا مالون، رئيسة التجارة في هيئة الخدمات اللوجستية في المملكة المتحدة، وهي هيئة تجارية، إن أعضائها يتوقعون إضافة مهلة أسبوعين للطلبات حتى يتم حل الاضطرابات في البحر الأحمر.

ألم الانتظار

وحتى ذلك الحين، سيحتاج عملاء الشحن إلى تحمل عدم القدرة على التنبؤ بسلسلة التوريد. وقال هيني من شركة دروري: "هناك ألم من حيث الاضطرار إلى الانتظار لفترة أطول، وعدم اليقين بشأن موعد وصول البضائع الخاصة بك".

ويبدو أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ امدلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت تلقي بظلالها على بعض الاقتصادات الكبرى، منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، خاصة الاقتصاد الألماني الأكبر في منطقة اليورو، وفق تقرير صادر عن معهد كييل للاقتصاد العالمي في ألمانيا، نُشر في 11 يناير/كانون الثاني.

وبحسب مؤشرات الحاويات العالمية، فإن سعر شحن حاوية 40 قدماً من شنغهاي في الصين إلى ميناء روتردام الهولندي قفز بنسبة 23% في الأسبوع الأول للهجمات الحوثية في البحر الأحمر التي جاءت تضامناً مع الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون عدواناً مدمراً وحصاراً قاتلاً، بينما شهدت التكلفة زيادات متتالية تصل نسبتها إلى 115%.

وتأتي ضربة سلاسل التوريد، بعدما عانت الكثير من الاقتصادات من ارتفاع أسعار الفائدة ودورها في إعاقة الاستثمار، وهو ما ألحق ضرراً بالصناعات التحويلية الألمانية تحديداً، باعتبار أنّ السلع تشكل جزءاً كبيراً من صادرات البلد الاقتصادي الكبير.

المساهمون