انخفضت الحيازات الأجنبية من الأسهم والديون في الصين بنحو 1.37 تريليون يوان (188 مليار دولار)، أو17%، من ذروة ديسمبر/ كانون الاول 2021 حتى نهاية يونيو/حزيران 2023، وذلك قبل أن تشهد الأسهم المحلية تدفقًا قياسيًا قدره 12 مليار دولار في أغسطس/ آب وحده.
ويؤدي التراجع الهائل للأموال من الأسهم والسندات الصينية إلى تقليص نفوذ السوق في المحافظ العالمية وتسريع انفصالها عن بقية العالم، حيث يتزامن النزوح مع الركود الاقتصادي في الصين بسبب سنوات من قيود كوفيد، وأزمة سوق العقارات.
مخاوف المستثمرين
وأشارت وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير السبت، إلى أن التوترات المستمرة مع الغرب أدت لنمو المخاوف بين المستثمرين وجعلت موضوع "تجنب الصين" واحدة من أكبر قناعاتهم، وفقًا لأحدث استطلاع أجراه "بنك أوف أميركا".
وانخفضت مشاركة الصناديق الأجنبية في سوق الأوراق المالية في هونغ كونغ بأكثر من الثلث منذ نهاية عام 2020.
وقال زيكاي تشين، رئيس قسم الأسهم الآسيوية والعالمية في الأسواق الناشئة لدى بنك "بي إن بي باريبا" لإدارة الأصول، إن "الأجانب يستسلمون، فهناك قلق بشأن سوق العقارات وتباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي"، مضيفًا أن "خيبة الأمل على هذه الجبهات أدت إلى قيام الكثير من المستثمرين الأجانب بإعادة التفكير".
وفي حين كان يُنظر إلى ضعف الصين ذات يوم باعتباره سبباً في جر بقية العالم إلى الأسفل، وخاصة مجموعة الأسواق الناشئة، فمن الواضح أن الحال لم تكن كذلك هذا العام.
وانخفض مؤشر الأسواق الناشئة (MSCI) في الصين بنحو 7% خلال العام 2023، وسط مخاوف أن يحقق خسائر للعام الثالث على التوالي، والتي ستمثل أطول سلسلة خسائر منذ أكثر من عقدين.
بينما ارتفع المؤشر ذاته بنسبة 3٪ على مستوى الأسواق الناشئة عامة، مع سعي المستثمرين لتحقيق العائدات في أماكن أخرى مثل الهند وأجزاء من أميركا اللاتينية.
ويأتي هذا الاختلاف في الوقت الذي أدت فيه محاولة الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي عبر سلاسل التوريد والعلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة إلى جعل الأسواق الأخرى أقل عرضة لإمداداتها وتدفقاتها.
بالإضافة إلى الانفصال الاقتصادي، هناك سبب آخر يتمثل في طفرة الذكاء الاصطناعي، التي عززت الأسواق من الولايات المتحدة إلى تايوان، في حين أعطت دفعة أقل لأسهم البر الرئيسي في الصين.
وانخفض وزن الصين في مقياس الأسواق الناشئة إلى نحو 27% من أكثر من 30% في نهاية عام 2021.
وفي الوقت نفسه، تكتسب استراتيجية تجريد الصين من محافظ الأسواق الناشئة زخماً سريعاً، مع وصول إطلاق صناديق الأسهم التي تستبعد الصين بالفعل إلى مستوى سنوي قياسي في عام 2023.
وقال جوراف بانتانكار، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "MercedCERA"، التي تشرف على ما يقرب من 1.1 مليار دولار من الأصول في الولايات المتحدة، إن "المخاطر التي تواجه الصين عديدة، منها تمويل القروض المحلية، وتراكم مخزون المساكن، والتركيبة السكانية، ونسبة الإعالة، والتقلبات التنظيمية، والعزلة الجيوسياسية"، مضيفا أن "فرص الاستثمار داخل الأسواق الناشئة موجودة في جيوب مختلفة".
ضغوط على سوق الديون
وفي سوق الديون، سحب المستثمرون العالميون حوالي 26 مليار دولار من سندات الحكومة الصينية في عام 2023، بينما استثمروا إجمالي 62 مليار دولار في سندات من بقية آسيا الناشئة، حسبما أظهرت البيانات التي جمعتها "بلومبيرغ".
وقد جرى محو ما يقرب من نصف التدفقات الواردة التي تتراوح بين 250 مليار دولار و300 مليار دولار، والتي رافقت إدراج الصين في مؤشرات السندات الحكومية منذ عام 2019، وفقًا لتحليل أجراه بنك "جيه بي مورغان تشيس" وشركاؤه.
وأدت ضغوط البيع على اليوان إلى دفع العملة إلى أدنى مستوى لها منذ 16 عاما مقابل الدولار. وتؤدي سياسة التيسير النقدي للبنك المركزي، على النقيض من التشديد في معظم الاقتصادات الكبرى، إلى إضعاف اليوان، ويعطي الأجانب سببا آخر لتجنب الأصول المحلية.
وفيما يتعلق بأداء ديون الشركات، يبدو أن الصين انفصلت تماماً عن بقية آسيا مع دخول الأزمة في قطاع العقارات عامها الرابع. وقد أصبح السوق مملوكًا محليًا بشكل أكبر، حيث يمتلك مستثمرون محليون ما يقرب من 85-90٪ منه.
وخفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، الخميس الماضي، نظرتها المستقبلية للقطاع العقاري الصيني من "مستقرة" إلى "سلبية"، معتبرة أن تدابير الدعم لن يكون لها سوى تأثير "قصير الأمد".
ويأتي كل هذا على خلفية تدهور الاقتصاد الصيني، والذي تسبب في إعادة النظر في جاذبية السوق كوجهة للاستثمار. وتشكك بنوك وول ستريت، بما في ذلك شركة "سيتي غروب" و"جيه بي مورغان"، في إمكانية تحقيق هدف النمو في بكين بنسبة 5٪ لهذا العام.
ومع ذلك، فإن الحجم الهائل للاقتصاد الصيني ودوره الرئيسي في سلسلة توريد التصنيع يعني أن السوق ستظل جزءا حاسما من المحافظ الاستثمارية للعديد من المستثمرين، وإن كان بدرجة أقل.
قطاعات مهمة في الصين
إحدى القنوات التي لا يزال بإمكان الصين من خلالها التأثير على الأسواق المالية الدولية هي عبر السلع المتداولة عالميًا. وباعتبارها أكبر مستورد للطاقة والمعادن والمواد الغذائية، فإن تأثيرها يمتد إلى ما هو أبعد من محافظ الأوراق المالية، مما يخلق روابط مع الاقتصاد العالمي من المرجح أن تكون أكثر استدامة.
وتعد مكانة البلاد الرائدة عالميًا في مجال الطاقة النظيفة، بدءًا من الألواح الشمسية إلى السيارات الكهربائية، أحد الأمثلة على الإمكانات المتزايدة للتجارة، حيث يحاول العالم الوفاء بالتزاماته المناخية.
وقالت كارين هيرن، الشريكة في شركة "إيست كابيتال" لإدارة الأصول: "التباطؤ الحادث في الاقتصاد الصيني لا يشمل كل قطاعاته"، مشيرة إلى "نمو قطاع السيارات الكهربائية عبر ارتفاع الاستهلاك فيها، وكذا أجزاء من سلسلة توريد مصادر الطاقة المتجددة".
بالنسبة لمديري الأموال مثل شين ياو إنج، فإن الاستثمار في الصين يتطلب توازناً دقيقاً بين الحذر من التحديات الهيكلية مع البحث عن فرص من الأسهم الفردية.
وقال إنج، مدير الاستثمار في الأسهم الآسيوية في شركة "أبردن آسيا" المحدودة، "أنا حذر من الناحية الهيكلية بشأن التوقعات الاقتصادية طويلة المدى للصين، وأدرك المخاطر الكبيرة المتعلقة بالجغرافيا السياسية (.. ) لكن الصين لا تزال عالمًا واسعًا وعميقًا للغاية مع الكثير من الفرص المختلفة".
وأضاف أن "التقييم الواسع النطاق منخفض للغاية الآن"، مضيفًا أنه "سوق مثير للاهتمام لانتقاء الأسهم" بالنسبة للمستثمرين الأساسيين.