تركة أسماء الأسد الثقيلة: توقعات بتخفيف قبضتها على الاقتصاد السوري

25 مايو 2024
أسماء الأسد في مؤتمر في باريس، 10 ديسبمر 2010 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أسماء الأسد تنسحب من الأضواء بعد إعلان إصابتها بالسرطان، مما يثير تساؤلات حول مستقبل نفوذها السياسي والاقتصادي في سوريا.
- استطاعت أسماء الأسد تأسيس نفوذ اقتصادي قوي من خلال السيطرة على مؤسسات وشركات كبرى، وتفكيك إمبراطوريات مالية مثل محمد ورامي مخلوف.
- البيان الرئاسي حول مرضها قد يشير إلى بداية تغييرات اقتصادية وسياسية واسعة في سوريا، مع استمرار تأثيرها من خلال معاونيها وإدارة مملكتها الاقتصادية عن بعد.

تتزايد التساؤلات حول انسحاب أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد من العمل العام، إثر إصابتها بمرض السرطان، ما يتطلب، بحسب بيان رئاسة الجمهورية بدمشق "تحقيق العزل مع تحقيق التباعد الاجتماعي المناسب، ومن ثم ستبتعد عن العمل المباشر والمشاركة في الأنشطة العامة ضمن خطة العلاج".

وتباينت الآراء، بين من يعتبر أن البيان يمهد لسحب الأخرس التي تغولت في السيطرة على مفاصل الاقتصاد الرئيسية، وبين من يقول إنها ستبقى على رأس مهامها وتدير المؤسسات والشركات، عبر معاونيها. وتستهدف أسماء الأسد، الاقتصاد، فهي برأي مصادر "العربي الجديد" وراء إصدار المرسوم رقم 28 لعام 2001 القاضي بإنشاء مصارف خاصة بدأت العمل عام 2004، لتبدأ التسلل إلى الاقتصاد والمجتمع السوري من خلال الصندوق السوري لتنمية الريف (فردوس) الذي أسسته عام 2001 بهدف احتضان المبادرات المجتمعية.

وساعد بتأسيس شركات صغيرة، بتمويل مصرفي ودعم المجتمع المدني، ليتحول "فردوس" وغيره من المؤسسات التي تديرها أسماء الأسد، في عام 2007 إلى "الأمانة السورية للتنمية" التي أصبحت، بحسب مصادر سورية مطلعة، شركة كبيرة متعددة المهام والوظائف، من علاقات عامة مع الغرب وتسويق النظام، خاصة بعد الثورة، والمتحكم بالعمل الخيري ودور الأيتام، بعد مصادرة تلك المهمة من رامي مخلوف، ويتمدد عمل "الأمانة العامة" للسيطرة على المساعدات الخارجية، إن كان للمتضررين من الحرب أو تلك المساعدات التي وصلت إلى مناطق الأسد بعد الزلزال الذي ضرب سورية في فبراير/ شباط من العام الماضي. 

طاقة
التحديثات الحية

حوت اقتصادي

وبرزت أسماء الأسد حوتاً اقتصادياً أو وصياً على الاقتصاد السوري، بعد تفكيكها "إمبراطورية" محمد مخلوف المالية، واستصدار قرار الحجز على أموال رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد، في 19 مايو/ أيار من العام 2020، بذريعة عدم دفع مستحقات خزينة الدولة، لتضع يدها، وفق المصادر، على جمعية مخلوف الخيرية "البستان" وكبرى الشركات المالية والإنتاجية والخدمية "سيريا تيل، شام القابضة، راماك".

أما المرحلة الثالثة والمستمرة حتى إعلان إصابتها بالسرطان قبل أيام، فهي التحكم بالقرار الحكومي والعمل الاقتصادي الخاص، عبر مجلس اقتصادي رديف.
وتُجمع آراء عدد من المصادر الخاصة لـ "العربي الجديد" على أن سطوة أسماء على الاقتصاد والتفرد بالقرار، جاءت بالاتفاق مع زوجها بشار الأسد، عبر تفكيك هياكل الاقتصاد السوري، وإبعاد من يمكن تسميتهم "برجوازية وطنية" واستبدالهم بـ"حديثي النعمة ومطلقي الولاء" سواء بالقطاع غير الحكومي "غرف التجارة أو الصناعة والزراعة" أو بالمراكز المالية والاقتصادية الحكومية الحساسة "مصرف سورية المركزي، المصارف الحكومية، الوزراء، إدارة الجمارك".

بالتوازي مع "اقتلاع" عائلة محمد مخلوف واسترداد أموال "آل الأسد" التي سبق وأن قدرتها الخارجية الأميركية بملياري دولار، ليكون بضربة رامي مخلوف الذي كان من أهم المسيطرين على الاقتصاد السوري، مصداقية لأسماء بأوساط الأعمال، مع الترويج بأنها تحمل مشروعاً تنموياً شفافاً، قبل أن تتراجع شعبيتها ويعتبرها الكثير من السوريين، خاصة في مناطق حواضن الأسد "الساحل السوري" سبباً للتردي الاقتصادي والواقع المعيشي عبر تحكمها بحاجيات السوريين الأساسية عبر شركة "تكامل" الخاصة المسؤولة عن توزيع المحروقات. 

حجر الدومينو

ويعتبر المحلل الاقتصادي عبد الناصر الجاسم في حديث مع "العربي الجديد" أن بيان الرئاسة السورية هو "بداية إعادة الهيكلة اقتصادياً بعد التغييرات التي رأيناها على صعيد الحزب والجيش وإدارات المخابرات، وذلك في مسعى بشار الأسد لإيهام الداخل والخارج بالتغيير والإصلاح"، معتبراً أن لانتفاضة مدينة السويداء المستمرة منذ نحو عام وامتعاض حواضن النظام بسبب تراجع المعيشة وزيادة سطوة أسماء الأسد، دورا كبيرا بإعلان ابتعاد أسماء الأسد عن الشأن العام. 

ويضيف الجاسم إن "أسماء الأسد كانت تسيطر على تدفق أموال المساعدات الدولية من خلال الأمانة السورية للتنمية بوصفها منظمة مجتمع مدني وشريكا محليا. وكذلك الاستيلاء على منظومة آل مخلوف، وبمقدمتها شركتي الخليوي "سيرياتيل و94" ويأتي بيان الرئاسة ضمن التبدلات الجديدة بالمنطقة وفرض التغيير على بشار الأسد، عربياً ودولياً، وسط تعالي الأصوات المنزعجة من سطوة أسماء وابتزازها للتجار وفرضها الإتاوات".

بالمقابل، يرى مدير عام سابق في دمشق، طلب عدم كشف هويته، أن هناك "ترتيبات جديدة بالداخل السوري تتطلب إبعاد أسماء وغيرها عن المشهد" لكن ذلك برأيه "لا يعني سقوط النظام" مرجحاً أن تبقى إدارة أسماء للشركات عبر مجموعة من معاونيها. ويضيف المدير السابق أن "مرحلة التغيير المقبلة" ستتضمن شخصيات جديدة وترتيب مختلف بالحكومة، مع خصخصة قطاعات حكومية، بمقدمتها قطاعي الطيران والكهرباء، كما سيتم الاستغناء "بالكامل" عن الشركات الخاسرة التي وجدت، برأيه، لأسباب تاريخية متعلقة بالاشتراكية، خالصاً "لا يذهب المروجون إلى أبعد من الواقع. القصة ترتبط بمرض، وترتيب جديد تتطلبه المرحلة". 

مطلب خارجي

ويستبعد معاون وزير سابق بدمشق، طلب عدم ذكر اسمه، ما تداوله البعض من أن يكون هدف البيان الرئاسي حول مرض "السيدة الأولى" ابعادها عن السلطة والضوء، لأن وضعها الصحي تردى بالفعل، كذا يستبعد أن يكون البيان تمهيدا لـ"إرضاء الطائفة والداخل وتحويل الإدارة والأموال إلى ماهر شقيق بشار الأسد"، كما يتم التداول أخيراً.

ويؤكد المسؤول السابق خلال تواصله مع "العربي الجديد" أن لا علاقة برغبة إيران في إعادة إمبراطوية مجد رامي مخلوف بما جرى مع أسماء الأسد، ولا توزيع المسؤولية والإدارة والأموال على ماهر ووجوه جديدة، لأنه "ببساطة إيران اليوم ليست بموضع المتحكم بالقرارات"، كاشفاً بالوقت نفسه عن "خلاف حاد وكبير" بين نظام الأسد وطهران "منذ نحو عام، تجلى بتقنين إيران توريد النفط الخام وإلحاحها في تحصيل الديون أو أخذ استثمارات مقابل الديون".

وحول من سينوب عن أسماء الأسد أو يدير مملكتها الاقتصادية، يقول معاون الوزير السابق إن "السيدة الأولى مأسست العمل" ويمكن، خلال فترة علاجها أن يتحول القرار إلى فارس كلاس، مدير مؤسسة الأمانة السورية للتنمية، ولينا الكنانة منسقة العلاقات الاقتصادية بين القصر الرئاسي والقطاع الخاص، ودانا بشكور مديرة مكتب أسماء الأسد، وخضر علي طاهر مدير شركة إيما تيل العائدة لأسماء، ويسار إبراهيم المستشار الاقتصادي في القصر الرئاسي.

بالمقابل، يقول رئيس الائتلاف السوري المعارض السابق، نصر الحريري لـ"العربي الجديد" إن نظام البعث لا يعطي استراحة للمرضى، فحافظ الأسد كان مصاباً بالسرطان وحكم لليوم الأخير من عمره. ويضيف الحريري أن ثمة عملا ومطالب، إقليمية ودولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومنها تغيير حقيقي ضمن بنية النظام، وعلى المستويات جميعها "أمنية، حكومية، سياسية.." وأسماء الأسد برأيه، دخلت في صلب القرار السوري، السياسي عموماً والاقتصادي على وجه التحديد، لذا جاء قرار تغييبها عن المشهد وليس إبعادها، ضمن تنفيذ المطالب الدولية. 

سيرة مختصرة عن أسماء الأسد 

ولدت أسماء فواز الأخرس في 11 أغسطس / آب 1975 في العاصمة البريطانية لندن، التي درست فيها علوم الكمبيوتر "كلية الملك بجامعة لندن" وتخرجت عام 1996، قبل أن تتوجه للعمل المصرفي والتدريب بالبداية في نيويورك، بمصرف "دويتشه بانك" ومن ثم في مصرف "جي بي مورغان" لتتم خطبتها من بشار الأسد عام 1999 ويتزوجا في 18 كانون الأول/ديسمبر 2000 ولهما من الأولاد، حافظ ولد عام 2001 وكريم ولد عام 2004 وابنة واحدة هي زين ولدت في 2003.

ولم تزل أسماء الأسد تحتفظ بجنسيتها البريطانية، رغم صدور عقوبات أوروبية طاولتها بالاسم، عام 2020 مع والدَيها وشقيقَيها وابنها الأكبر بتهمة مراكمة "ثروات غير مشروعة على حساب الشعب السوري".

ويرى رئيس الائتلاف السوري المعارض السابق، نصر الحريري لـ "العربي الجديد" أن أسماء ورغم الدور الكبير الذي نسب إليها، خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد وفاة حماتها، أنيسة مخلوف عام 2018، يمكنها نقل مهامها لأسماء جديدة "من الصف الثاني وغير خاضعة لعقوبات" مستبعداً أن تنقل المهام إلى ماهر شقيق بشار. ويلفت رئيس الائتلاف المعارض السابق، إلى التوافق الدولي اليوم حول إبقاء نظام الأسد مع تبديل الوجوه.

المساهمون