يواجه المغرب منذ العام الماضي ارتفاعاً في نسب التضخم، مدفوعا بصعود أسعار الغذاء، وسط تحركات حكومية لكبح جماح الغلاء تحت شعار تحقيق السيادة الغذائية.
واعتبرت الحكومة في تصريحات عدة أن قفزة معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تأتي كتداعيات للحرب الروسية في أوكرانيا واستمرار مخلفات جائحة كوفيد - 19 الاقتصادية، بالإضافة إلى تعرّض المغرب لأسوأ أزمة جفاف منذ 40 عاماً.
وفيما تستهدف السلطات معدل تضخم في حدود 2 في المائة خلال العام الحالي، إلا أن المندوبية السامية للتخطيط أعلنت في الأسبوع الأخير من مايو/ أيار أن معدل التضخم بلغ في إبريل/ نيسان الماضي 7.8 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالأساس.
وتطرح مسألة السيادة الغذائية بشكل متصاعد حالياً في سياق التغيرات المناخية التي تعيشها المملكة في ظل تواتر الجفاف الذي خفض حجم المحاصيل، خاصة الحبوب والبنجر.
ويؤكد محمد الهاكش، الخبير في القضايا الزراعية والرئيس السابق للاتحاد العمالي الجامعة الوطنية للزراعة، أن السيادة الغذائية أصبحت ملحة بعد الصعوبات التي ظهرت في الأعوام الثلاثة الأخيرة، حيث من الضرورة بمكان التركيز على الإنتاج الزراعي المحلي لتلبية الحاجات الغذائية.
ويرى في حديث مع "العربي الجديد"، أن السيادة الغذائية يمكن أن تتحقق من خلال تقليل الصادرات ودعم المزارعين الصغار بما يساعد على توفير عرض يساهم في خفض الأسعار وتفادي التقلبات التي تعرفها السوق الدولية.
ولم تكف الحكومة المغربية في الفترة الأخيرة عن التأكيد على الحرص على اتخاذ التدابير الواجبة بهدف تفادي القفزات القوية التي شهدتها أسعار الخضر في الأشهر الأخيرة، من خلال دعم المنتجين بهدف خفض تكاليف الإنتاج، بما ينعكس على أسعار التجزئة.
وأكد وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية محمد صديقي، بمناسبة الملتقى الدولي للفلاحة الذي عقد أخيراً في مكناس، أنه إذا كانت الأسمدة الفوسفاتية تعرف استقرارا في الأسعار، إلا أن أسعار الأسمدة الآزوتية التي لا ينتجها المغرب تضاعفت أسعارها خمس مرات في السوق الدولية، ما يؤثر على تكاليف الإنتاج.
وتتجه الحكومة، وفق وزير الفلاحة، نحو توفير دعم للأسمدة والبذور في الفترة المقبلة، بهدف تخفيف تكاليف الإنتاج عن المزارعين، بما يساعد على تعظيم الإنتاج، غير أن ذلك يبقى رهينا بمعالجة ندرة المياه التي أضحت أزمة هيكلية بالمملكة بسبب الجفاف.
ويذهب الحسين أضرضور، رئيس الفيدرالية المغربية لمنتجي ومصدري الخضر والفواكه، إلى أن الاتفاقيات الزراعية التي أبرمت أخيراً مع تسعة عشر جهة من الفيدرالية تمثل مختلف السلاسل الإنتاجية، تضع الإطار العام لما يجب إنجازه وسبل الوصول إليه في أفق 2030.
ويشير في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه سيتم الانكباب على تحديد التفاصيل التي يمكن أن تتيح بلوغ تلك الأهداف، حيث يلتقى حديث أضرضور مع ما أكده رئيس الحكومة عزير أخنوش عن تدابير يتم إعدادها ترمي إلى التحكم في تكاليف إنتاج السلع الغذائية ذات الأصل الفلاحي، بما يساعد على مواصلة التصدير مع توفير عرض للسوق المحلية بأسعار معقولة للأسر المحلية.
وتتطلع الحكومة إلى تسريع الاستثمارات لتوفير المياه عبر تشييد سدود جديدة وتحلية مياه البحر، حيث إن توفير المياه سيحدد مدى نجاح التوجه إلى توسيع مساحة الأراضي الزراعية بهدف تعظيم الإنتاج.
ويعتبر المغرب من البلدان التي تعرف تراجعا في حجم الموارد المائية، بينما تصل في سنة عادية إلى 22 مليار متر مكعب، ما يعني في حدود 650 مترا مكعبا للفرد، وهي حصة ينتظر أن تنخفض بفعل شح المياه.
ويستحضر المراقبون تأثيرات تلك الوضعية في سياق التغيرات المناخية والجفاف كما في العام الجاري، حيث انخفضت الواردات المائية الناجمة عن التساقطات المطرية، حسب ما أوضحه وزير التجهيز والماء، في تصريحات سابقة، بنسبة 69 في المائة في العام الحالي، مقارنة بالعام الماضي.
ويذهب يونس فراشين، عضو المكتب التنفيذي باتحاد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى أن مستوى التضخم يفرض على الحكومة اتخاذ تدابير على مستوى الأجور والجباية تفضي إلى التخفيف عن الأسر.
ويلفت إلى أن التدابير التي تتخذ لمواجهة التضخم يتوجب أن تصل إلى الفئات الدنيا من المنتجين والأسر، حيث إن تضارب المشاريع يمكن أن يحرم الكثيرين من الاستفادة من فوائد الإجراءات التي تتخذ. ويعتقد أن الوضعية الحالية كان يفترض أن تدفع الحكومة إلى إلغاء الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لبعض السلع الواسعة الاستهلاك وأيضاً الضريبة الداخلية على استهلاك بعض السلع مثل المحروقات.
ويرى أن من بين التدابير الذي كان من المؤمل اتخاذها تلك التي تتعلق بتسقيف أسعار المحروقات مثلا، تنفيذا للفصل الرابع من قانون حرية الأسعار والمنافسة، أو تسقيف الأرباح كما فعلت بعض البلدان بالنسبة لبعض القطاعات.