تونس: تسريح طوعي لآلاف الموظفين لاحتواء أزمة الرواتب

06 نوفمبر 2022
تونس تعاني من أزمة مالية فاقمتها كورونا والحرب الروسية الأوكرانية (فرانس برس)
+ الخط -

تخطط السلطات التونسية إلى تسريح نحو 24 ألف موظف من القطاع الحكومي خلال السنوات الأربع المقبلة، عبر برنامج وصفته بـ"التسريح الطوعي" في إطار خطة لاحتواء كتلة الأجور، بينما تتصاعد مخاوف اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ قوي في أوساط العمال من توسّع الحكومة في تسريح الموظفين، بعد اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي، مطالباً بحلول أخرى لتقليص عجز الموازنة غير تقليص الموظفين.

ويقدر موظفو القطاع الحكومي بنحو 670 ألف موظف يكلفون موازنة البلاد حوالي 20.1 مليار دينار (6.2 مليارات دولار) بحسب أرقام موازنة العام الحالي، ما يمثل نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة المقدر بنحو 46.8 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي لسنة 2021.

وأفصحت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، عن خطة التسريح الطوعي للموظفين، موضحة في مقابلة مع قناة "التاسعة" الخاصة، يوم الخميس الماضي، أن الحكومة تستهدف تسريح نحو 6 آلاف موظف سنوياً، على مدار السنوات الأربع المقبلة، بما سيساعد في "استعادة التوازنات المالية للبلاد" على حد تعبيرها.

إصلاح لا تتحمل الطبقات العاملة وزره

لكن سامي الطاهري، المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، أعرب عن مخاوف الاتحاد من خطط احتواء الرواتب عبر تجميد الانتدابات والتسريح الطوعي، مطالباً الحكومة بإجراء إصلاح اقتصادي لا تتحمل الطبقات العاملة وزره.

وأضاف الطاهري لـ"العربي الجديد" أن الاتحاد عرض على الحكومة خطة إصلاح اقتصادي قائمة على عنصر مهم وهو زيادة النمو الذي سيكون رافعة لتحسين مستوى معيشة المواطنين، منتقداً السياسات التقشفية المجحفة التي تريد الحكومة تمريرها بتوصية من صندوق النقد الدولي.

في المقابل يوصي صندوق النقد الدولي بضرورة معالجة أسباب العجز للحد من اللجوء إلى الاستدانة، عبر وقف نزيف الموازنة الناجم في جزء منه عن كتلة الأجور التي يصفها من بين الأعلى عالمياً.

وتوصلت الحكومة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لصرف قرض جديد بقيمة (1.9 مليار دولار) مقابل حزمة إصلاحات، من بينها خفض دعم الغذاء والطاقة، وإعادة هيكلة شركات عامة تعاني عجزاً، وتقليص كتلة الأجور.

وتحتاج تونس إلى ما بين 1.6 و1.8 مليار دينار شهرياً لصرف رواتب العاملين في القطاع الحكومي. وتلجأ الحكومة والمؤسسات العامة شهرياً إلى القطاع المصرفي لطلب قروض قصيرة المدى أو طرح سندات لمدة لا تتجاوز 13 أسبوعاً، من أجل تعبئة الموارد اللازمة لصرف الرواتب.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي عبد السلام العباسي لـ"العربي الجديد" إن من الضروري قبل تقليص أعداد الموظفين في القطاع الحكومي تشجيع المبادرات الخاصة بإنشاء المشاريع لزيادة نسب النمو من جهة، والحد من الطلب على التوظيف في القطاع الحكومي الذي جرى إغراقه بالموظفين مقابل إنتاجية ضعيفة.

وأشار العباسي إلى أنه لاحتواء كتلة الأجور، ينبغي فتح تحقيقات داخل الوزارات في شبهات صرف أجور لصالح موظفين متوفين أو غير مباشرين لوظائفهم، معتبراً أن إعادة النظر في قواعد بيانات موظفي القطاع الحكومي أمر ضروري.

عدد الموظفين تضاعف 16 مرة

وأظهرت دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (تابع لرئاسة الجمهورية) حول أزمة الوظيفة العمومية في البلد، أن عدد الموظفين في القطاع الحكومي تضاعف 16 مرة منذ خمسينيات القرن الماضي، إذ ارتفع من حوالي 36 ألف موظف عام 1956 إلى أكثر من 660 ألفاً بنهاية العام الماضي.

وبينت الدراسة التي صدرت عام 2021 أن عدد موظفي القطاع الحكومي تضخم بعد عام 2012 بسبب عمليات التوظيف العشوائية. وتسبب تضخم عدد موظفي القطاع الحكومي في إثقال موازنة البلاد بكتلة أجور اعتبرها صندوق النقد الدولي من بين الأضخم في العالم، بسبب استئثارها بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وبمقتضى الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي ستحصل تونس على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على أربع سنوات، من شروطه الأساسية خفض كتلة الرواتب إلى ما دون 12%.

لكن الأجور وتسريح الموظفين من القضايا الشائكة في تونس والتي يمكن أن تزيد من الاضطرابات الاجتماعية والمعيشية. كما أن السلطات بدت متخبطة في قراراتها بشأن هذا الملف. فقبل الذهاب إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن اتفاق التسهيل الأخير، وقّعت حكومة نجلاء بودن اتفاق زيادة في رواتب موظفي القطاع الحكومي بنسبة 3.5% تصرف على ثلاث سنوات، رغم توصيات صندوق النقد بكبح كتلة الأجور.

كما تتجه البلاد فعلياً إلى أزمة في سداد الرواتب. ونفذ موظفو قطاعات مؤسسات ومنشآت حكومية احتجاجات، خلال الأيام الماضية، بسبب تأخر تنزيل رواتب شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، معتبرين أن مدة التأخير التي تجاوزت عشرة أيام سابقة في تاريخ البلاد. ويهدد موظفو القطاعات التي لم تحصل على الرواتب بوقف تام عن العمل، مطالبين السلطات بالتعجيل بإيجاد حلول للأزمات المالية التي تهدد معيشتهم ومصير عائلاتهم.

أزمة تأخر الرواتب

وشملت أزمة تأخر الرواتب قطاعات النقل والصحة والإعلام، حيث نفذ موظفو شركة نقل تونس التي تسير خطوط النقل عبر الحافلات وشبكات المترو في مدن العاصمة الكبرى أول من أمس، إضراباً عاماً احتجاجاً على تأخر الأجور، قبل أن يستأنفوا العمل، الخميس الماضي، بعد الحصول على تعهد من إدارة المؤسسة بتسوية الوضعية المالية.

وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية فاقمتها تداعيات الأزمة الصحية والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، وسط توقعات بمزيد من الصعوبات المعيشية، مع بدء تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي يفرضها صندوق النقد الدولي من أجل منح الحكومة القروض المتفق عليها. وتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو الاقتصادي للدولة إلى 2.2% في 2022، من 3.1% في 2021.

ويشكو المواطنون من موجات الغلاء وتردي الظروف المعيشية، إذ ارتفع التضخم على أساس سنوي إلى 9.1% خلال سبتمبر/أيلول الماضي، مقابل 8.6% في أغسطس/آب الماضي، وسط استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محلياً، وارتفاع أسعارها عالمياً.

وقفزت أسعار مجموعة التغذية والمشروبات إلى 13% في سبتمبر/أيلول، صعوداً من 11.9% في أغسطس/آب، كما تسارعت أسعار السكن والطاقة المنزلية إلى 6.4%، من 6.2%، ما يشكل أعباء كبيرة على طبقات واسعة من المجتمع، منها الموظفون.

المساهمون