عام جديد بلا دعم في تونس: خفض النفقات 26%

26 ديسمبر 2022
غضب واسع النطاق لمختلف الفئات الاجتماعية بسبب الغلاء (الأناضول)
+ الخط -

يقدم التونسيون على عام جديد تتجه فيه السلطات بخُطا سريعة نحو رفع الدعم النهائي على المحروقات وجزء من المواد الأساسية، معلنة تمسّكها بخطة الإصلاح المطلوبة من صندوق النقد الدولي، رغم التحذيرات من خطورة السياسة التقشفية التي تنتهجها على السلم الاجتماعي في البلاد.

وكشفت بنود قانون الموازنة أن حكومة نجلاء بودن تتهيأ إلى المرور إلى حقيقة أسعار المحروقات خلال السنة الجديدة، عبر التعديل الدوري للأسعار، حيث سجّل قانون الموازنة الصادر، يوم الجمعة الماضي، خفض نفقات الدعم بنسبة 26.4 بالمائة مقارنة بسنة 2022 وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.

كذلك خفضت الحكومة نفقات التدخل (التحويلات الاجتماعية لفائدة الطبقات الضعيفة) بنسبة 8 بالمائة، وسط تحذيرات الاتحاد العام التونسي للشغل من ارتدادات اجتماعية وغضب شعبي من إجراءات السلطة.

وقال الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضم نحو مليون عضو إنه سيرفض قانون المالية إذا جرى إقراره، مضيفا أنه قد يتسبب في انفجار اجتماعي، حيث يعاني التونسيون من الفقر والتضخم الذي ارتفع إلى 9.8 بالمائة، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وحذّر اتحاد الشغل من غضب شعبي وارتدادات ما وصفه بـ"سياسة التفرّد والمرور بقوّة" التي انتهجتها الحكومة في إعداد الميزانية العمومية لسنة 2023 على التونسيين، محمّلاً رئيس الدولة المسؤولية في حال توقيع مرسوم الميزانية.

ويرى المستشار الحكومي السابق المكلف بالملف الاقتصادي عبد السلام العباسي، أن خفض حكومة نجلاء بودن نفقات الدعم بنسبة تفوق 26 بالمائة أمر متوقع، معتبرا أن السلطة الحالية لا تملك هوامش مناورة كبيرة لتعبئة موارد خارجية سوى الذهاب في خطة الإصلاح بهدف الاقتراض من صندوق النقد الدولي.

وقال العباسي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن خفض نفقات الدعم بنحو الربع مقارنة بموازنة 2022 يعني رفع الدعم نهائيا عن المحروقات، والوصول إلى حقيقة الأسعار مع نهاية عام 2023، إلى جانب تقليص دعم المواد الغذائية الأساسية وأسطوانات غاز الطهي بنحو 25 بالمائة.

وخلال سنة 2022 خصصت سلطات تونس 12 مليار دينار (الدولار = نحو 3.3 دنانير) لدعم المحروقات والكهرباء والنقل والغذاء، بينما تنوي العام المقبل توفير نفقات دعم بقيمة 8.8 مليارات دينار رغم إقرارها بتراجع أسعار المواد البترولية بنسبة 13 بالمائة في السوق الدولية مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وتخفيف قيود العرض.

لكن حكومة نجلاء بودن التي وعدت بتعويض ما لا يقل عن 8 ملايين تونسي عن رفع الدعم، عبر التحويلات المالية المباشرة قلّصت في نفقات التدخل بنحو 8 بالمائة، حيث تراجعت قيمة هذه النفقات من 18.7 مليار دينار إلى 17.2 مليار دينار متوقعة العام القادم.

وتشمل نفقات التدخل التحويلات المالية المخصصة لفائدة الأسر المعوزة وضعيفة الدخل، إلى جانب المخصصات التي تنفق لدعم المؤسسات الحكومية التي تشكو صعوبات أو تواجه الديون.

وفي وقت سابق، قالت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية إن نحو 8 ملايين تونسي سيتمتعون بالدعم مع بدء تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي.

وأكدت الوزيرة في حوار أدلت به لقناة "التاسعة" الخاصة، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أن خطة توجيه الدعم نحو مستحقيه ستنفذ على أربع سنوات بداية من عام 2023 إلى غاية 2026، على أن يُعوّض التونسيون عبر تحويلات مالية ستصرف لفائدة مستحقي الدعم، بما في ذلك الأُجَرَاء في القطاع الحكومي.

وأعلنت المسؤولة الحكومية أن قاعدة البيانات لتحديد مستحقي الدعم شبه جاهزة، مؤكدة استثناء الفئات الميسورة من منظومة الدعم.

غير أن الخبير الاقتصادي خالد النوري، يعتبر أن عدم ترسيم مخصصات التحويل المالي بوضوح في قانون الموازنة ينبئ بتأخر صرف التحويلات المالية لفائدة المستحقين مقابل تنفيذ رفع الدعم مع بداية العام الجديد.

وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن السلطات لم تجهّز بعد قاعدة البيانات الخاصة بمستحقي الدعم، وهو ما يفسّر عدم تنزيل مخصصات التعويض بشكل واضح ضمن الموازنة الجديدة.

قالت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية إن نحو 8 ملايين تونسي سيتمتعون بالدعم مع بدء تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها مع صندوق النقد


ورجّح الخبير الاقتصادي أن تمر السلطات إلى رفع الدعم دون صرف التعويض في المرحلة الأولى، مع الحفاظ على صرف المساعدات الاجتماعية لفائدة العائلات الفقيرة والمعوزة المرسمة في قاعدة البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية.

المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية) رمضان بن عمر، يرى أن قانون الموازنة يهيئ لتشكيل كتلة غضب واسعة النطاق ستشمل مختلف الفئات الاجتماعية التي ستدخل على خط المواجهة مع بداية تحقق رفع الدعم وارتفاع الأسعار.

وقال بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن خفض مخصصات الدعم بنسبة 26 بالمائة رسالة مباشرة إلى صندوق النقد الدولي بأن السلطات ماضية في تحقيق برنامجه بخطوات سريعة، دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير ذلك على شريحة واسعة من التونسيين.

وأشار في سياق متصل إلى أن البلاد تعيش أخطر مرحلة في تاريخها بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي المأزوم، وإصرار السلطة على الانفراد بالرأي وتنفيذ إصلاحات يعارضها طيف سياسي واجتماعي واسع.

وتونس في حاجة ماسة لتمويلات خارجية وقروض لدعم الموازنة، وتوفير المواد اللازمة لتوريد الحاجيات الأساسية من الطاقة والغذاء والدواء، فيما تتواصل معاناة المواطنين من الغلاء وتراجع عرض التموينات، فضلاً عن ارتفاع البطالة ونسب الفقر.

 

المساهمون