مغزى تسريح الموظفين من شركات التكنولوجيا

18 ابريل 2023
تسريح أعداد كبيرة من الموظفين في شركات التكنولوجيا العالمية خلال الأشهر الماضية (Getty)
+ الخط -

على خلاف المتوقع تماما، تسارعت وتيرة تسريح أعداد متزايدة من العمالة من الشركات التكنولوجية الكبري حول العالم خلال العام الماضي وبداية العام الحالي، وذلك على الرغم من تبشير خبراء التوظيف حول العالم بتصاعد أهمية الوظائف التكنولوجية وتزايد الاحتياج العالمي لموظفيها الذين يتمتعون بأجور وحوافز مادية ضخمة تتخطي دائما الوظائف الاعتيادية.

وفي عالم التكنولوجيا دائم التغير خلال فترات زمنية قصيرة للغاية، تسعى الشركات دائمًا إلى البقاء في المقدمة والتفوق في المنافسة المحمومة، الأمر الذي يدفعها نحو البحث الدائم عن الموظفين المؤهلين لتطوير وتحسين منتجاتها وخدماتها، ويعني هذا ببساطة تسريح هؤلاء الموظفين الذين فشلوا في مجاراة التطور التقني، أو فشلوا في الاستجابة لمجمل التحديات التنافسية التي تواجه الشركات التي يعملون فيها، والتي من أبرزها تقديم رواتب تنافسية وتوفير بيئة عمل مميزة للموظفين.

وعلى الرغم من جهود تلك الشركات في تحسين بيئة العمل وتقديم رواتب ومزايا تنافسية للموظفين، بالإضافة إلى الاستفادة من التقنيات الذكية في عمليات التوظيف والاحتفاظ بالموظفين، إلا أن التحديات المتعاظمة استدعت بالفعل تسريح أعداد ضخمة من الموظفين، وهو الأمر الذي بدا ملحوظا بشدة خلال الفترة الأخيرة.

بيتا وغوغل ومايكروسوفت في المقدمة

تتزايد أعداد العمالة التي تم تسريحها من الشركات التكنولوجية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بصورة ملحوظة، وتشير الإحصاءات إلى أن عملية تخفيض للعمالة بلغت 97171 وظيفة خلال العام الماضي، بارتفاع 649% مقارنة مع العام السابق له.

كما توضح كذلك أن النسبة الكبري من تلك التسريحات تركزت في شركات بيتا وغوغل ومايكروسوفت، وأن التسريحات لم تتوقف عند العام الماضي فقط، بل امتدت كذلك للعام الحالي؛ حيث سرحت شركات "غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون.كوم" حوالى 30 ألف موظف آخر خلال يناير/كانون الثاني الماضي، يضاف إليهم 12 ألف موظف آخرين أعلنت شركة "ألفابت" خطتها لتسريحهم خلال العام الحالي، بما يفوق 6% من إجمالي قوتها العاملة.

كما كشف الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون.كوم"، آندي جاسي، أن عملاق التجارة الإلكترونية بدأ في مطلع العام الحالي تسريح 18 ألف موظف. كما ذكرت شركة "مايكروسوفت" أنها ستخفض الوظائف لديها بمقدار 10 آلاف وظيفة خلال العام الجاري، أو 5% تقريباً من العمالة الخاصة بها، وهو ما سيكلفها 1.2 مليار دولار خلال الربع الثاني من السنة المالية الحالية.

كما تعرضت شركة "تويتر" لواحدة من أكبر عمليات تسريح العمالة مقارنة بنظيراتها في الوقت الراهن، وذلك في أعقاب تخلّص "إيلون ماسك"، المالك الجديد للشركة، من 3700 وظيفة تقريباً عن طريق رسالة بالبريد الإلكتروني في نوفمبر الماضي، كما تواصلت عملية تخفيض القوى العاملة خلال يناير الحالي، بصفة خاصة في وظائف الإشراف على المحتوى العالمي.

وبالطبع، كان لظهور وباء كورونا أثر كبير في تزايد أعداد العاملين في الشركات التكنولوجية، والتي فشلت في العودة به مرة أخرى بعد انتهاء الجائحة إلى مستويات عام 2019، وهو الأمر الذي يؤكد تصاعد موجة التسريح بشكل حاد خلال ما تبقى من العام الجاري. فعلى سبيل المثال، فإن شركة "ميتا" والتي على الرغم من عمليات خفض أعداد موظفيها المثيرة للجدل خلال الفترة الأخيرة، لا يزال العدد الحالي للعاملين فيها أكبر من معدلات ما قبل كورونا بحوالي 20 ألف وظيفة.

ووفقا لمجموعة من البيانات التي نشرتها صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، بلغ عدد موظفي "ميتا"، في نهاية العام الماضي، ما يقرب من 86.5 ألف موظف، وقد أدت الجولة الأولى من عمليات التسريح إلى إلغاء 11 ألف وظيفة، والجولة الثانية إلى إلغاء 10 آلاف وظيفة، ووصل بذلك إجمالي القوة العاملة في الشركة إلى حوالي 65.5 ألفا، وهذا المعدل لا يزال أكثر بنحو 20 ألف وظيفة مما كان عليه العدد قبل ظهور الوباء.

أسباب عمليات التسريح الواسعة

تعد إجراءات تسريح الموظفين من أكثر الأمور صعوبة في أي شركة، وتؤثر هذه الإجراءات بشكل سلبي على الشركة والموظفين على حد سواء، ومن الواضح أن فخ التوظيف أثناء فترة كورونا لم يكن العامل الوحيد المسؤول عن تلك التسريحات، إذ يعتبر تقلص الأرباح كنتيجة للتوترات الاقتصادية العالمية أحد أبرز تلك العوامل كذلك، لا سيما في ظل التكاليف العالية للرواتب والمزايا التي تعتبر النسبة الأكبر بين العناصر المختلفة المكونة لتكاليف تلك الشركات.

يضاف إلى ذلك، تغيير الاحتياجات التقنية للشركات، الأمر الذي يتطلب استبدال الموظفين الحاليين بموظفين جدد بمهارات تقنية مختلفة، وكذلك إلى الانخفاض في الطلب العالمي على المنتجات التقنية، ولا سيما في ظل انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، وتأثيرها في استبدال الموظفين، بالإضافة إلى انهيار بنك سيليكون فالي الأميركي، وانعكاساته على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. وكلها مؤشرات تؤكد استمرار تلك التسريحات خلال الفترة المقبلة.

الأمر لا يتوقف عند حد شركات التكنولوجيا الكبرى في ما يخص عمليات إقصاء الموظفين؛ ذلك أن "من المحتمل أن تستمر العديد من الشركات التقليدية الأخرى في تقليص حجم أقسام تكنولوجيا المعلومات، وبما في ذلك وظائف الأمن السيبراني، لتعتمد بشكل متزايد على الخدمات الاستشارية، وذلك وفقا لتصريح خبير تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، الأكاديمي بكلية Golisano لعلوم الحوسبة والمعلومات، فورست فوكوا.

وظائف ذات تكلفة مرتفعة للغاية

تكمن المشكلة الكبرى التي تواجه مجال تكنولوجيا المعلومات أن معظم تلك الشركات تعتبر هذه الوظائف ذات تكلفة مرتفعة للغاية، وبالتالي تتواصل عمليات استبعاد الموظفين على هذا النحو، ما لم تكن هناك تحولات جوهرية في مواقف وتوجهات الإدارة، أو تفرض اللوائح ومتطلبات التأمين ضوابط أكثر صرامة.

يضاف إلى ذلك، تراجع الطلب العالمي في ظل موجة تضخمية عالمية عاتية، علاوة على أزمة القروض العالمية التي تعانيها الدول النامية، والحرب التجارية الباردة بين الولايات المتحدة والصين، وغيرها من الأزمات العالمية التي قلصت الطلب العالمي، وكلها من العوامل التي تشير إلى استمرار موجة تسريحات موظفي تلك الشركات خلال الفترة المقبلة، لتفرض البطالة بين محترفي هذه المهن كمصطلح لم يكن متخيلا من قبل.

المساهمون