هكذا تحولت سورية من مُصدّر إلى مستورد للإنتاج الزراعي

28 يونيو 2022
موسم حصاد القمح السوري (Getty)
+ الخط -

ترى المهندسة الزراعية السورية بتول الأحمد أن استمرار نظام بشار الأسد في تسعير المنتجات الزراعية عند حدود التكلفة سيأتي على كامل الإنتاج الزراعي في بلدها، بعد أن تحولت سورية من بلد الوفرة بإنتاج القمح والقطن، إلى بلد الندرة والاستيراد.

وفيما تؤكد المهندسة أن بعض إنتاج الحمضيات والخضر تم إتلافه أخيراً بحقول مدن الساحل السوري (طرطوس واللاذقية) نتيجة ضعف الأسعار واستغلال التجار، حذرت، في تصريحها لـ"العربي الجديد"، من تهريب محاصيل القمح والقطن لهذا الموسم إلى دول الجوار، بعد التسعير الرسمي الذي وصفته بـ"الجائر".

وتشير المتخصصة السورية إلى أن تكاليف النقل بعد ارتفاع وندرة مشتقات النفط، وما وصفته بـ"جشع بعض التجار"، من أسباب ارتفاع الأسعار، مؤكدة أن "التصدير كذلك سبب مهم لا يمكن تجاهله".

وكانت رئاسة الوزراء بحكومة بشار الأسد قد سعّرت أخيرا شراء الكيلوغرام الواحد من محصول القطن من المزارعين لموسم عام 2022 بمبلغ قدره 4000 ليرة سورية (دولار واحد)، بعد توصية اللجنة الاقتصادية على السعر الجديد الذي ارتفع من 2500 ليرة الموسم السابق.

تكاليف الإنتاج

ويقول مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة بحكومة النظام السوري، أحمد دياب، خلال تصريحات اليوم الثلاثاء، إن الحكومة حددت السعر بناء على عدة عوامل، منها تكاليف الإنتاج بالأسعار الرائجة، وسعر الاستيراد الموازي للقطن المحلوج، بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار حاجة المؤسسات الصناعية التي تعمل بمجال الصناعات النسيجية للمادة الأولية. 

لكن المزارع فائز سلامة أكد، لـ"العربي الجديد"، أن تكاليف إنتاج وجني محصول القطن (لاتزال العملية تتم يدوياً في سورية) تزيد عن السعر الرسمي، واصفاً زراعة القطن بـ"الشرهة للمياه"، ما يرفع من تكاليف الإنتاج التي تعتمد على الرّي باستخدام المازوت، الذي يزيد سعر اللتر منه في السوق السوداء على 7 آلاف ليرة سورية.

ويؤكد المزارع سلامة من ريف إدلب أن مساحات زراعة القطن، التي بلغت أكثر من 200 ألف هكتار قبل عشرين عاماً، ووصل إنتاجها إلى أكثر من مليون طن منتصف تسعينيات القرن الماضي، تراجعت إلى نحو 35 ألف هكتار اليوم، بسبب تراجع الحكومة عن دعم هذه الزراعة، معتبراً استيراد سورية العام الماضي، ولأول مرة، القطن المحلوج والخيوط، وتراجع الإنتاج إلى نحو 20 ألف طن (الأقل منذ 30 عاماً)، نتيجة طبيعية للتخلي عن "الزراعات الاستراتيجية"، مثل القمح والشمندر السكري والقطن.

ويقول متخصصون إن حكومة النظام السوري قتلت أمّ الصناعات السورية (النسيج)، الذي كان يشغل أكثر من 20% من اليد العاملة، وقت وصل في تسعينيات القرن الماضي إنتاج البلاد من القطن إلى نحو 1.3 مليون طن، قبل أن يتراجع جراء توصيات حكومية متتالية، بذريعة فائض الإنتاج والتوجه إلى زراعات أخرى.

ويقول المدير السابق للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية بسورية، سمير رمان، إن زراعة القطن تتركز في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب، إضافة إلى مساحات قليلة في حماة وإدلب، و"هذه المناطق شهدت حرباً، وتعاني حتى اليوم من قلة الأيدي العاملة وارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج الزراعي، بعد تراجع المياه وقلة المحروقات والأسمدة".

تراجع مأساوي

ويضيف رمان، لـ"العربي الجديد"، أن "إنتاج القطن السوري يشهد تراجعا مستمرا منذ عام 2011 وحتى اليوم".

ففي حين كان الإنتاج يتراوح بين 600 و800 ألف طن من القطن الخام (وصل إلى مليون في إحدى السنوات)، "تراجع اليوم بشكل مأساوي"، معتبراً أن الأسباب تعود، بعد تراجع المساحات المزروعة، إلى النقص الشديد في اليد العاملة، ونقص مواد الطاقة من كهرباء ومازوت لسقاية الحقول، ونقص مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومبيدات وسواها، بالإضافة إلى توقف المحالج والمعامل لسنوات عن العمل، فضلاً عن انعدام إمكانية التصدير عمليا. 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وما قيل عن القطن وتحول سورية من بلد مصدّر اشتكت دول أوروبية عام 20023 من إغراق أسواقها بالغزول السورية، إلى بلد مستورد حتى للخيوط اليوم، ينسحب على محصول القمح.

فبعد أن استقر الإنتاج السوري على نحو 3.5 ملايين طن، وزادت الصادرات السنوية عن مليون طن، تعاني سورية منذ عام 2011 من قلة الإنتاج وصعوبة وتكاليف الاستيراد، بعد تراجع متوسط الإنتاج السنوي إلى نحو 1.3 مليون طن.

وكانت حكومة بشار الأسد قد سعّرت كيلو القمح لهذا الموسم بـ1700 ليرة تركية، معلنة عن مكافأة بنحو 300 ليرة سورية إضافية لسعر كل كيلوغرام لكل مزارع خارج مناطق سيطرة الأسد، يسلم محصوله للمؤسسة العامة لصناعة وتجارة الحبوب.

لكن المزارع حسين الحجي، من ريف إدلب الشرقي، يرى أن السعر "غير عادل"، لأن تكاليف الإنتاج مرتفعة جداً، خاصة بالنسبة للقمح القاسي، الذي بدأ حصاده أخيراً.

ويشير الحجي، خلال اتصال سابق مع "العربي الجديد"، إلى أن "تكلفة حصاد الدونم بالحصادة تزيد عن 35 ألف ليرة سورية، أما إذا توجه الفلاحون للحصاد اليدوي بهدف الاستفادة من التبن كأعلاف، فإن تكلفة حصاد الدونم تصل لنحو 90 ألف ليرة بواقع ارتفاع أجور العمالة".

وتعاني سورية من عجز كبير بمادة القمح، بعد تراجع الإنتاج من أكثر من 3.5 ملايين طن قبل الثورة عام 2011، إلى نحو 1.2 مليون طن هذا الموسم، بحسب توقعات متطابقة من مدير مؤسسة الحبوب المعارضة، حسان محمد، لـ"العربي الجديد"، وتصريحات صحافية لرئيس اتحاد الفلاحين بحكومة الأسد، أحمد صالح الإبراهيم، الذي أكد أن "الكميات الإجمالية لإنتاج القمح بين 1 و1.2 مليون طن".

ويقدر مدير مؤسسة الحبوب في المعارضة السورية، حسان محمد، إنتاج الموسم الحالي بنحو 1.2 مليون طن قمح "قاس وطري" بعموم الأراضي السورية، وحصة المعارضة بـ"المناطق المحررة" نحو 200 ألف طن، في حين المتوقع أن يكون أعلى إنتاج بالمناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) شمالي شرق سورية، بنحو 600 ألف طن، ولن يزيد الإنتاج بالمناطق التي يسيطر عليها النظام السوري عن 400 ألف طن، ما يوصل العجز للعام الجاري إلى أكثر من مليون طن، إذ تستهلك سورية، بحسب بيانات رسمية، نحو 2.5 مليون طن قمح سنوياً.

المساهمون