وضع اليد على مصرفين أميركيين يستحضر شبح أزمة 2008

14 مارس 2023
رغم كل التدابير وتطمينات بايدن إلا أن ذلك لم يقو على طرد شبح 2008 كلياً (Getty)
+ الخط -

تعيش أميركا منذ يوم الجمعة الماضي في جوّ فرض التذكير بأزمة 2008 المالية الطاحنة. وضع اليد على مصرفين كانا على حافة الانهيار أثار الخشية والشكوك من احتمال تكرار ذلك السيناريو أو حتى نسخة مصغرة منه، مع أنه لا شبه بين الاثنين لا بالحجم ولا بالتداعيات، على الأقل حتى الآن. 

ولاستباق المخاوف وقطع الطريق على اضطراب الأسواق أو الهرولة إلى سحب الودائع، سارعت الجهات المعنية الرسمية منها والمرجعيات المالية - المصرفية إلى التطمين والتأكيد بأن لا شيء من مسببات انهيارات 2008 متوفر في الحالة الراهنة؛ وبالتالي لا داعي للقلق ولا حتى للريبة في ذلك. 

وكان الرئيس جو بايدن أول المسارعين إلى تحصين الثقة من خلال إطلالة مبكرة قبل افتتاح أسواق الأسهم، أكد فيها على "سلامة النظام المالي" و"ضمان أموال المودعين بالكامل من دون الاستعانة بالمال العام"، على أساس أن إجراءات الاستباق التي جرت لإقفال المصرفين "ليست عملية تعويم" من أموال الخزينة وأن الكلفة سيتم تحصيلها من أصول المصرف وتخصيصها للودائع من دون أي تعويض على المساهمين في المصرف ومع محاسبة إدارته على "مجازفاتها" غير المحسوبة.

كلام بايدن كان جرعة كافية لتهدئة الهواجس ولجم المخاوف، وانعكس ذلك في مؤشرات أسواق البورصة التي بدأت نهارها بصعود أسعار الأسهم خلافا للتوقعات التي تحدثت عن شبه نزيف في مداولات الإثنين ولو أنها عادت إلى خانة الخسائر في آخر النهار وإن بمقدار ضئيل.

وقد تعززت هذه الأجواء بالتأكيدات التي أدلى بها خبراء مشهود لهم بصوابية التقدير مثل لاري سامرز، وزير المالية السابق والأستاذ حاليا في جامعة هارفارد الذي شخّص الأسباب وربطها هو وغيره من أصحاب الشأن، بتراخي "أنظمة الضبط" والقيود المحددة لعمل المصارف.

تضمن "أنظمة الضبط" والقيود إذا ما تمت مراعاتها، التوازن بين استثمارات المصارف وبين موجوداتها من السيولة اللازمة المطلوب الاحتفاظ بها لتمكينها من مواجهة الحالات المالية الطارئة التي تتسبب بها عوامل مختلفة مثل أسعار الفائدة والتعثر أو الركود الاقتصادي وغيره من التأثيرات التي تتعرض لها الأسواق. هذه الضوابط يحددها الكونغرس والاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي). 

وكان قد صدر قانون متشدد بشأن هذه الضوابط على أثر أزمة 2008 التي نتجت عن انفلات المصارف في الاستثمار والإقراض، ولكن مع إدارة ترامب تم التراجع عنها بقانون متساهل مع توسع نشاطات المصارف وبما قاد هذين المصرفين إلى مجازفات مغرية بعائداتها لكن من غير مراعاة لقاعدة التوازن، وبما أدى إلى انكشافها عند اهتزاز مصادرها الرئيسية للودائع.

"بنك سيليكون فالي" الذي يحتل المرتبة الـ16 في قائمة المصارف الأميركية، تمادى في نشاطاته معولاً على استمرار تدفق الودائع من عدة شركات إلكترونية كانت تتعامل معه، لكن عندما هبطت أعمال هذه الشركات جفّت بالتالي ودائعها. ولما كانت استثمارات البنك مربوطة بمدة محددة ثلاث سنوات أو أكثر، انكشف وضع السيولة لديه مع هبوط تلك الودائع فسارعت الجهة المعنية بمراقبة المصارف إلى وضع يدها عليه. 

نفس الأمر حصل تقريبا مع المصرف الآخر "بنك سيغنيتشور" الذي كان نشاطه محصورا تقريبا مع شركات "العملة المشفرة" التي تراجعت ودائعها بتراجع أسواقها. ولما كانت المؤشرات ترجح وصوله إلى نفس مصير "بنك سيليكون"، بادرت السلطات المعنية إلى وضعه تحت تصرفها.

بيد أن كل هذه التطمينات والتدابير لم تقوَ على طرد شبح 2008 كليا. ثمة شيء منه ما زال عالقا في الأجواء، عكسته أسئلة مشروعة ما زالت بدون إجابات، حتى ولو كانت من باب أن "المكتوي بالحليب ينفخ على اللبن" من بينها أن جهاز التنظيم والضبط المصرفي أعطى إشارات عن ميله لزيادة الضمانة للودائع من 250 ألف دولار للحساب، إلى "أكثر من ذلك".

إشارات جهاز التنظيم والضبط المصرفي ولدت أسئلة كثيرة أبرزها: هل جاء ذلك (زيادة ضمانة الودائع) لأن هناك خطراً على الودائع أو ربما لأن هناك مصارف أخرى شبيهة بهذين المصرفين اللذين وصفهما الجهاز بأنهما "خطر على النظام المالي"، أم هل جاء لأن الخطر في هذا القطاع ما زال قائماً؟ كذلك أثارت تلميحات بعض أعضاء الكونغرس الشكوك في تطمين الرئيس بأنه ليست هناك عملية تعويم. 

الاعتقاد بأن "بعض الإجراءات قد تنزل في هذه الخانة" (التعويم)، وبالتالي إذا صح ذلك فإن المال العام لا بد أن يستخدم بالنهاية في العملية خلافاً لتأكيد الرئيس، إضافة إلى ذلك يرى خبراء أن "بعض مصاريف "التصفية" قد يتحملها "المستهلك"، وبالتالي لن تكون العملية من غير خسائر تطاول المال العام. وفي هذا لو حصل ما يساهم في إضعاف الثقة التي تشكل الركيزة الأساسية للعبور إلى ضفة الاطمئنان العام.

مثل هذه التساؤلات قد تكون من باب أن "المكتوي بالحليب ينفخ على اللبن". لكن لا دخان بدون نار. قد تكون نار خفيفة يمكن السيطرة عليها لو سارع الكونغرس إلى وضع التشريع المطلوب لقطع الطريق على انهيارات من هذا النوع والتخلص من شبحها، لكن قد تطغى الحسابات الانتخابية على غيرها بحيث تبقى المشكلة مفتوحة وبما يزيد من الكلفة والبلبلة في لحظة دقيقة بالنسبة للإدارة الغارقة بالمتاعب الخارجية، من الصين إلى أوكرانيا مرورا بالشرق الأوسط والتي تتراكم عشية إعلان بايدن لترشيحه في انتخابات 2024.

المساهمون