وخلال السنوات الأربع الماضية، خسرت تونس أيضا أكثر من ثلثي الإنتاج السنوي من الفسفات (أحد أهم مصادر العملة الصعبة) ، حيث قدّر الخبراء تراجع الإنتاج التونسي بنحو 70%، مما حرم البلاد من عائدات تقدّر بنحو 6 مليارات دينار (3.2 مليار دولار) وذلك بسبب تعطل آلة الإنتاج في وحدات الفسفات لأشهر طويلة، نتيجة إحتقان الوضع الاجتماعي في المحافظات المنتجة لهذه المادة.
وقدر إنتاج الفسفات في سنوات ما بعد الثورة بنحو 2.5 مليون طن، مقابل 7.5 مليون طن، قبل الثورة، وهو ما أدى إلى خسارة البلاد للكثير من الأسواق لفائدة منافسيها على غرار المغرب.
ولم تقتصر تداعيات الثورة في الجانب الاقتصادي على الفوسفات فقط، بل شملت أيضا ثاني مصدر للعملة الصعبة في البلاد، فقد تكبد قطاع السياحة، الذي كان يشكل 7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، خسائر جسيمة نتيجة للاضطرابات السياسية والأمنية، التي شهدتها البلاد، وأجبر الوضع عشرات المنتجعات السياحية والفنادق، إغلاق أبوابها وإعلان إفلاسها.
وبحسب آخر الإحصائيات، التي أصدرتها وزارة السياحة التونسية، فإن عدد الوافدين إلى تونس بنهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، انخفض بنسبة 2.8%، مقارنة بنفس الفترة من عام 2013، و 12%، مقارنة بعام 2010.
ووفقاً للإحصاءات، فقد استقبلت البلاد خلال عام 2014، ما يقرب من 5 ملايين و904 ألف و265 سائحاً.
ويرى الخبير الاقتصادي التونسي، معز الجودي، أن خسائر الاقتصاد التونسي نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني خلال السنوات الأربع الماضية، تقدر بنحو 10 مليار دولار سنوياً، وتشمل بالأساس القطاع السياحي المتضرر الأكبر من العمليات الارهابية.
وأوضح الجودي في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن ملايين الدينارات التي أنفقت في الدعاية للقطاع السياحي، ذهبت سدى، مشيراً إلى أن نسبة النمو، تراجعت بين 0.5 إلى 1%عن النسبة المعلن عنها بداية 2014، والمقدرة بنحو3.5%، متأثراً بتقلص نسب الاستهلاك والتجارة الخارجية والاستثمار، إلى جانب اختلال التوازنات المالية للبلاد، وهو ما ولد، بحسب الجودي، عجزا في الميزان التجاري للبلاد بلغ 13.7 مليار دينارا (7.4 مليار دولار) بعد أن كان في حدود 6 مليار دينار (6.2 مليار دولار) إبان إندلاع الثورة في 2011، لتبلغ نسبة النمو بنهاية 2014، بحدود 2.8%.
من جانبه برر عضو مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي) والخبير الاقتصادي، محسن حسن، تراجع سعر صرف الدينار، إلى العجز في ميزان الدفوعات، وفي الخدمات ومن بينها السياحة، إضافة إلى تراجع رصيد تونس من العملة الصعبة.
وذكر أن الدينار، سجل لأول مرة في تاريخه خلال الفترة الماضية، تراجعا قياسيا بهبوطه إلى أدنى مستوياته، حيث هوى لأول مرة منذ الاستقلال في 1956، إلى 2.3، مقابل اليورو و 1.80 مقابل الدولار الأميركي، وهو ما جعل خبراء الاقتصاد يدقون ناقوس الخطر الفعلي إيذانا بالدخول في المنعرج الاقتصادي الأخطر منذ الثورة.
وأرجع حسن في تصريحات لـ"العربي الجديد" أسباب تهاوي الدينار، إلى أسباب هيكلية وأخرى مباشرة، مشيرا إلى أن قيمة الدينار تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي ومستوى التوازنات المالية للدولة، خاصة وأن المنحي التنازلي للدينار لم يتوقف منذ الثورة، رغم الاستقرار النسبي الذي شهده مباشرة، إثر تولي حكومة مهدي جمعة الحكم في فبراير/شباط 2014.
وأعتبر تدهور قيمة العملة المحلية، نتيجة حتمية لعجز موازنة الدولة وعجز الميزان التجاري وتراجع نسبة النمو الناجم عن تعطل كل محركات خلق الثروة، وهي الاستثمار والاستهلاك والتصدير.
وتترقب الأوساط الاقتصادية ومؤسسات القروض الدولية، أن يكون 2015، عاماً صعباً على الاقتصاد التونسي، رغم بوادر الانفراج النسبي بعد استقرار المشهد السياسي والتحول من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة المؤسسات الدستورية الدائمة.