سائقو غزة.. رحلة اضطرارية في ظل البطالة والفقر

02 يونيو 2015
سائق أجرة في غزة (عبدالحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -

يستقل السائق الفلسطيني، أبو أحمد غباين، سيارته كل صباح، بعد أنّ يغسلها من الأتربة التي علقت بها في اليوم السابق، ويجوب بها شوارع غزة طولاً وعرضاً؛ من أجل توفير قوت يوم عائلته المكونة من خمسة أبناء، إضافة إلى زوجته ووالدته المقعدة.

يقطن أبو أحمد (42 عاماً) في بيت متواضع شرقي حي الزيتون، إلى الجنوب من مدينة غزة، وقد تضرر جزئياً من العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع صيف العام الماضي 2014، ويقتصر عمله حالياً على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته، لعدم تمكنه من توفير المزيد من المال.

عدم توفر فرص العمل، وسوء الأحوال الاقتصادية، التي يمر بها قطاع غزة بشكل عام، وعائلته بشكل خاص دفع أبو أحمد إلى ترك شهادته الجامعية، التي حصل عليها قبل عشرة

أعوام في إدارة الأعمال جانباً، والبحث عن "رزق أولاده" في عدد من المهن الحرفية، والتي كان آخرها عامل بناء، قبل العمل سائقاً داخل القطاع.

ويقول أبو أحمد لـ "العربي الجديد": "كل المصائب التي تمر بقطاع غزة سببها استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض منذ ما يزيد على تسع سنوات، فقد تسبب ذلك بإعدام فرص العمل نتيجة إغلاق المعابر، وتوقف الأعمال نتيجة عدم السماح بدخول المواد الأساسية".

وفق بيان للبنك الدولي نهاية مايو/أيار الماضي، فإن معدل البطالة في قطاع غزة هو الأعلى في العالم. وأشار إلى أن اقتصاد القطاع تضرر بشدة نتيجة الحصار المفروض من قبل الاحتلال وإغلاق المعابر، خاصة في مجالات الزراعة والإنشاءات والصناعة، حيث لا يسمح بدخول مواد البناء والمواد الخام.

اقرأ أيضاً: عمال غزة ينتظرون "الفرج" بعد المصالحة الفلسطينية

ولفت البنك إلى أن 43% من سكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة عاطلون عن العمل، وأن نسبة البطالة بين الشباب ارتفعت إلى نحو 60% بنهاية العام الماضي.

ويقول أبو أحمد: "أربع سنوات قضيتها في الدراسة الجامعية كي أعمل عملاً مناسباً لدراستي،

لكن ذلك لم يحصل بسبب الأجواء والأحوال السيئة في غزة، والتي يتسبب بها الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل تضييقه على القطاع، ما دفع عدداً كبيراً من أصحاب الشهادات إلى تركها، والعمل في مهن مرهقة وغير مجدية".

وعن عمله على سيارة الأجرة، فيقول: "أستيقظ فجراً، وأجهز سيارتي كي أوصل بعض الطُلاب والمعلِمات والموظفين إلى أعمالهم، وأتجول في السيارة بين الشوارع الرئيسية والمفترقات، حتى يحين موعد عودتهم، فأذهب مجدداً لإيصالهم لمنازلهم، وأعود مجدداً إلى التجوال".

ويضيف: "في نهاية اليوم أشعر بدوار وإرهاق كثير، فمهنة السائق ليست سهلة كما يعتقد البعض"، وعن جدواها يقول: "بالكاد يمكن أن توفر مصروف اليوم، فانعدام فرص العمل وزيادة نسب البطالة دفع عدداً كبيراً إلى امتهان العمل على سيارات الأجرة".

ويوضح أبو أحمد أنّ العمل على سيارات الأجرة في قطاع غزة يمتلك خصوصيات مختلفة عن غيرها من المدن، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، وقطع الغيار والسيارات، إلى جانب التراخيص والتأمينات التي يتم دفعها بشكل دوري، قائلاً: "هنا كل المحطات صعبة".
 
علامات البؤس التي كست وجه الأربعيني أبو أحمد، لم تمنع خفة ظله، ومداعبته لزملائه السائقين، وعن يومياته يقول: "السائق هو أكثر شخص يسمع هموم الناس وحكاياتهم، فأنا من يوصل السيدة لاستلام شيك وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن يوصل الرجل الذي حصل على كوبونه (الطرد الغذائي)، كذلك أنا من يوصل العريس لحجز صالة الفرح (..) الجميع يشاركني الحديث، فأصل إلى المنزل في نهاية اليوم وقد أصبح رأسي مثل كرة القدم".

ويختتم السائق أبو أحمد حديثه قائلاً: غزة مدينة جميلة، ونحن نحبها جداً، وتحملنا الحروب والصعاب من أجل البقاء فيها، لكن الحياة فيها صعبة بسبب تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية فيها، نحتاج إلى انفراجة كي تصبح حياتنا طبيعية، مثل باقي شعوب العالم.

ووفق بعض التقديرات، فإنّ قطاع غزة يضم 20 ألف سائق، رغم أنّ القطاع لا يحتاج إلى هذا العدد، ويمكن لثلاثة آلاف فقط القيام بتلبية طلبات المواطنين ونقلهم بشكل مريح. لكنّ ظروفاً عدة أبرزها الحصار وتضييق الخناق على غزة أديا إلى تزايد الإقبال على شراء السيارات الخاصة بنقل الركاب، والعمل عليها، وهو ما أدى إلى التزاحم في هذه المهنة، وتناقص المدخول اليومي لأصحابها في ظل زيادة أعبائهم المالية.

وتعاني نحو 200 ألف عائلة فلسطينية، نتيجة تواصل الحصار، ما ساهم بزيادة نسبة الفقر التي وصلت إلى 70%، وفق البيانات الرسمية.


اقرأ أيضاً: عمال النظافة..مهنة مرهقة في غزّة وأجر زهيد

المساهمون