تونس: مخاوف من تعثّر تدفقات أموال المغتربين

27 مارس 2016
من داخل البنك المركزي التونسي (فرانس برس)
+ الخط -
يستبعد مراقبون تعثر تدفقات تحويلات المغتربين التونسيين في الخارج، خصوصاً من أوروبا، بسبب التعصب الذي قد يطاول المسلمين هناك نتيجة الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها أوروبا، لكن ثمة مخاوف أخرى من تأثر تلك التدفقات نتيجة خيبة الأمل التي تسربت إلى التونسيين المغتربين من الحكومات المتعاقبة.

واستبعد النائب في البرلمان عن دائرة ألمانيا (مغتربو تونس في ألمانيا)، حاتم الفرجاني، تأثير العمليات الإرهابية التي استهدفت أكثر من عاصمة أوروبية على التونسيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي. مشيراً إلى أن تحويلات المغتربين في الدول الأوروبية حافظت على معدلاتها القياسية في أحلك الظروف التي عاشتها تونس، وأيضاً في الأزمات الاقتصادية التي مرت بها منطقة اليورو.

وقال عضو البرلمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الوضعية القانونية لأكثر من 80% من التونسيين في أوروبا سليمة، وهو ما يجعل عائداتهم المالية مستقرة نسبياً، مشيراً إلى أن هذا الاستقرار يضمن لتونس تدفق العملة الصعبة والاستثمارات بشكل مستمر.


لكن في مقابل رغبة التونسيين في المهجر في مساعدة بلادهم على تخطي الوضع الاقتصادي الصعب، يعتبر عضو مجلس نواب الشعب، أن الحكومة مقصّرة في الإحاطة بمواطنيها في دول المهجر، وهو ما يجعل الاستفادة من القوة الاقتصادية لأكثر من مليون تونسي، 80% منهم تقريباً في دول الاتحاد الأوروبي، محدودة.

ويرى الفرجاني أن الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها مقصرة في حق المغتربين، بحيث تكتفي بالانتفاع من دورهم في توفير العملة الصعبة لخزينة المصرف المركزي.

ويحوّل التونسيون المقيمون خارج البلاد سنوياً أكثر من 4 مليارات دينار، أي ما يعادل ملياري دولار.
وبحسب إحصائيات تعود إلى سنة 2012، يبلغ عدد التونسيين المقيمين بالخارج بشكل شرعي 1.2 مليون شخص، وهو رقم، بحسب مصدر من وزارة الخارجية، لم يتطور كثيراً منذ التاريخ المذكور.

وفي الوقت الذي كان التونسيون بالخارج يتطلعون إلى استحداث وزارة خاصة بهم في التعديل الوزاري الذي أجراه الحبيب الصيد في يناير/ كانون الثاني الماضي، اكتفت الحكومة باقتراح مشروع إنشاء المجلس الوطني للتونسيين بالخارج، وهو ما مثّل خيبة أمل كبرى لهم.

خيبة الأمل

ويخشى مراقبون للشأن الاقتصادي أن تتقلّص مساهمة المهاجرين في الاقتصاد بسبب خيبة أملهم في الحكومة، معتبرين أن المجلس الوطني لا يمكن أن يحل محل وزارة تكون لها القدرة على رفع العقبات الإدارية التي تعترض المستثمرين منهم ومنحهم التسهيلات اللازمة لخلق مشاريع ذات طاقة تشغيلية عالية.

ويقول الخبير الاقتصادي مراد الحطاب، إن غالبية دول الاتحاد الأوروبي تمر بصعوبات اقتصادية أدت إلى تراجع نسب نموها، وهو ما من شأنه أن يؤثر على حجم تحويلات التونسيين في هذه الدول. مشيراً إلى أن قسماً كبيراً من المغتربين في منطقة اليورو يعانون ضغوطاً معيشية كبيرة، ما يجعل توجههم نحو الادخار أو الاستثمار محدوداً.

وشدد الحطاب في تصريح لـ"العربي الجديد"، على ضرورة تنويع الحكومة التونسية طرق استفادتها من مساهمة المغتربين في الاقتصاد، معتبراً أنه لم يعد مسموحاً أن تكتفي بتحويلاتهم من النقد الأجنبي، ولا سيما أن جزءاً من التونسيين ممّن يشغلون وظائف عليا في دول إقامتهم، بإمكانهم المساعدة على جلب المستثمرين الأجانب، بحسب تأكيده.
وتتوزع الجالية التونسية بالمهجر بحسب التركيبة الاجتماعية والمهنية بين 41% من العمال و19.3% من الطلبة 6.8% وظائف عليا و4.2% يمارسون المهن الحرة.

جذب استثمارات

وأعلنت الحكومة في وقت سابق، عن نيتها إرساء استراتيجية جديدة تهدف إلى تحويل أموال التونسيين المقيمين بالخارج إلى مشاريع واستثمارات داخل أرض الوطن، تسهم في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد. ومن المنتظر أن تنفذ الحكومة هذه الخطة في إطار التوجهات العامة للمخطط الخماسي 2016 -2020.

وتتطلب هذه الخطة، وفق تصريحات مسؤولين في الحكومة، القيام بالعديد من الإصلاحات والتسهيلات لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج لتشجيعهم على إنشاء المشاريع بالبلاد، على غرار خفض كلفة التحويلات المالية والإعفاء الضريبي الخاص بالراغبين في إنشاء مشاريع.
وساهمت مشاريع التونسيين المقيمين بالخارج خلال سنة 2014، وفق بيانات رسمية، في توفير ما يناهز 50 ألف فرصة عمل، وهي مساهمة يقول مختصون إنها ضعيفة وغير كافية لتقليص معدلات البطالة في تونس.
وتتطلع الحكومة إلى رفع مساهمة تحويلات التونسيين بالخارج في الناتج المحلي الإجمالي من 5% حالياً إلى 8% خلال السنوات الخمس المقبلة.


غير أن الوصول إلى هذه النتيجة، وفق الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، مشروط بتحقيق الإصلاحات المصرفية وتوفير البنوك لامتيازات استثنائية لفائدة التونسيين بالخارج، مع تخفيض البنك المركزي كلفة التحويلات التي تعتبر مرتفعة حالياً، مع ضرورة أن تتم هذه التحويلات عن طريق المؤسسات البنكية الرسمية، وذلك حتى تتمكن البلاد من رفع ميزان المدفوعات.

ويشهد المناخ الاستثماري بعد الثورة، تزايداً في عدد المبادرات والشركات الناشئة التي يقودها مغتربون تونسيون. وعبّرت العديد من الخبرات التونسية في المهجر عن الرغبة في العودة إلى تونس، لتأسيس شركات ناشئة على الرغم من نقدهم المتكرر جملة المعوقات التي تقف أمامهم، على غرار بيروقراطية الإدارة ونقص الموارد، والأطر القانونيّة، والعملة القابلة للتحويل.
وبلغ إجمالي تحويلات المهاجرين التونسيين، خلال السنة الماضية، حوالي 4 مليارات دينار تونسي، كما تمثل 23% من الادخار الوطني.

وتقدم الخبراء الاقتصاديون بمقترح يتمثل في تحويل التونسيين المقيمين في الخارج في كامل أنحاء العالم، خصوصاً في منطقة الاتحاد الأوروبي، ما قيمته 120 دولاراً لكل فرد، بهدف تجميع نحو 1.12 مليار دولار، تساهم في سداد القرض الائتماني الذي حصلت عليه تونس من صندوق النقد، والمقدّر بحدود 1.7 مليار دولار.
وتتصدّر فرنسا قائمة البلدان التي تصل منها تحويلات التونسيين في الخارج، بقيمة 1.716 مليار دينار (905 ملايين دولار)، تليها ألمانيا، ثم إيطاليا.

وتستقطب الدول الأوروبية حوالى 83% من المغتربين التونسيين، في حين تستقطب البلدان العربية حوالى 15%. ويوجد في الولايات المتحدة الأميركية وكندا 2.6%، وأفريقيا 0.11%.


اقرأ أيضاً: البنك الدولي يعتزم إقراض تونس خمسة مليارات دولار

دلالات

المساهمون