تانغو "قمة العشرين" على إيقاع الحرب التجارية

29 نوفمبر 2018
من تحرّك الثلاثاء احتجاجاً على اجتماعات القمة (Getty)
+ الخط -

تحتفل مجموعة العشرين بالذكرى العاشرة لأول اجتماع لرؤساء الدول عقدته في عام 2008، في قمة ستحتضنها الأرجنتين، غداً الجمعة وبعد غد السبت.

بلاد "التانغو" استعدت للقمة أمنياً بنشرها 24 ألف عنصر من قوات الشرطة لحماية رؤساء دول وحكومات أهم 20 بلداً تمثل 85% من إجمالي الناتج الداخلي العالمي، وذلك وسط توقعات بتصاعد التحركات المناهضة للرأسمالية، التي بدأ تنظيمها منذ الثلاثاء، لتجوب شوارع بيونس آيرس رفضاً للسياسات الاقتصادية التي تمثلها مجموعة "العشرين"، واحتجاجاً على الأزمة الاقتصادية العميقة التي تضرب الأرجنتين.

إلا أن التوتر الفعلي سيكون داخل القمة ذاتها، مع وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحاته الاستفزازية ودعواته إلى الحمائية التجارية، وبحروبه الاقتصادية ضد شركائه التجاريين، والتي تمتد من الصين وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي.

هذا إضافة إلى حضور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي أثار غضب العالم، بعد قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وتوجه أصابع الاتهام نحوه، وكذا بما يمثله من قطب نفطي يسيّر الأسواق وفق رغبات الرئيس الأميركي، ليزيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأجواء المشتعلة، برقصة الحرب مع أوكرانيا، التي أججت من جديد جبهة العقوبات ضد موسكو. 

قمة مجبولة بالخلافات

خلال هذه القمة، لا بد من مراقبة مجموعة من الأحداث، وفق "فايننشال تايمز". إذ سيعقد لقاء بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، والذي استبقه الرئيس الأميركي بإعلان نيته زيادة الرسوم التي تطاول مئات السلع الصينية، استكمالاً لحرب تجارية هي الأعنف بين البلدين.

أما الحدث الثاني المرتقب فهو اللقاءات التي ستجمع ترامب بالقادة الأوروبيين، وسط تلويحه، أمس الخميس، بفرض رسوم على استيراد السيارات التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي خطاً أحمر لا يمكن القبول به، إضافة إلى التوقيع على اتفاقية التجارة الحرّة الجديدة في أميركا الشماليّة، على هامش القمة، والتي تم التوصّل إليها بين الولايات المتّحدة وكندا والمكسيك. 

وتترقب الأسواق العالمية قمة بيونس آيرس ونتائجها، مع ارتفاع المخاوف من تصاعد الحروب التجارية والخلافات النفطية وكذا السياسية والأمنية، وما لذلك من تأثيرات على النمو الاقتصادي العالمي، والحركة التجارية الدولية.

وتأتي زيارة الرئيس الأميركي الأولى إلى أميركا الجنوبية منذ توليه الرئاسة، في ظل تحريضه المتواصل على المهاجرين من أميركا الجنوبية نحو الولايات المتحدة. واعتبر تقرير نشرته "سي إن إن" الأميركية، أمس، أن لقاءات ترامب، يومي الجمعة والسبت، في العاصمة الأرجنتينية، تمثل واحدة من أعنف جولاته الدبلوماسية. وقال مسؤولون في البيت الأبيض إنه سيجتمع مع ثمانية زعماء، على الأقل، خلال رحلته، بالإضافة إلى الجلسات التقليدية، وسط توقعات بإثارته الضجيج ضد البيان الختامي للقمة، كما فعل في اجتماعات سابقة.

وسيلتقي ترامب نظيره الصيني شي جي بينغ، غدا السبت، بعدما اعتبرت الإدارة الأميركية، الأربعاء، أن الصين التي تسجل فائضاً كبيراً في مبادلاتها مع الولايات المتحدة لم تقدم، حتى الآن، "مقترحات لإجراء إصلاحات مهمة" لممارساتها التجارية التي تصفها واشنطن بأنها "غير منصفة".

وحذّر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، اليوم الخميس، في حديث لصحيفة "لا ناثيون" الأرجنتينية، من أن "الخطر خلال قمة مجموعة العشرين يكمن في القمة المنفردة بين الصين والولايات المتحدة والحرب التجارية المدمرة للجميع".

وأوضح ترامب، في تصريحات سابقة، أن اجتماعه مع شي يمكن أن يؤدي إلى واحدة من نتيجتين مختلفتين بشكل كبير: تضاعف التعريفات الأميركية على الواردات الصينية، أو وقف إطلاق النار في الحرب التجارية.

وقال كبير نواب الرئيس والمستشار الأول للاقتصاديات الآسيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، ماثيو غودمان: "لدى كل من الرئيس ترامب والرئيس شي حافز لتعليق هذا النزاع".

وفرض ترامب تعريفات على الواردات الصينية بقيمة 250 مليار دولار، لفرض تنازلات على قائمة مطالب من شأنها أن تغير بشكل جذري شروط التبادل التجاري بين البلدين. وردت الصين بتعريفات خاصة على السلع الأميركية.

وهدد ترامب أخيراً، بتعريفات على منتجات صينية أخرى بقيمة 267 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع الرسوم الجمركية بنسبة 10% على السلع الصينية البالغة قيمتها 200 مليار دولار إلى 25%، في مطلع 2019، ما لم يتم الاتفاق على هدنة.

وتبقى الشكوك حول لقاء ثنائي بين ترامب وكل من بوتين وبن سلمان. وقال الرئيس الأميركي، في تصريح لصحيفة "واشنطن بوست"، "ربما لن أجري هذا اللقاء" مع بوتين. في حين تتعرض موسكو لانتقادات منذ العملية العسكرية الروسية ضد سفن أوكرانية في بحر آزوف.

والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: هل "سيتحدث الرئيس إلى محمد بن سلمان"، وهو أمر لا يستبعده البيت الأبيض. ويعتبر ترامب أحد أشد داعمي ولي العهد السعودي الذي يقدم، على حد قوله، خدمات جيدة للاقتصاد الأميركي، من خلال خفضه أسعار النفط، حتى لو أضر باقتصاد بلاده.

وقد يجد ولي العهد السعودي، خلال مشاركته في قمة العشرين في الأرجنتين، نفسه في مواجهة لقاءات باردة، وفق فرانس برس، وذلك في ظل تداعيات قتل خاشقجي. وقال الباحث إتش إيه هيلر، من مؤسسة "المجلس الأطلسي" و"المعهد الملكي للخدمات المتحدة" في لندن، إن "السؤال يكمن في مَن من زعماء العالم سيرحب بالظهور إلى جانبه في العلن". في حين يمكن أن تنتهز الرياض فرصة هذه القمة للبحث في مسألة انخفاض أسعار النفط مع الدول الكبرى الأخرى المنتجة للمحروقات.

أبرز نقاط جدول الأعمال

وفي بوينس آيرس، صرح وزير الخارجية الأرجنتيني، خورخي فوري، لوكالة فرانس برس، بأن المشاركين سيحرصون في البيان الختامي على الدعوة إلى رؤية "منطقية وإيجابية" للتجارة. لكن الوضع يبدو بعيداً عن هذا الهدف، بسبب شعار "أميركا أولا" الذي رفعه ترامب، وانتخاب قادة شعبويين في إيطاليا والبرازيل وغيرهما، وكذلك بريكست.

وفي قمة تبدو "خلافية"، سيسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دفع إصلاح منظمة التجارة العالمية قدماً، وحماية اتفاق باريس حول المناخ. وسيكون لقاؤه مع ترامب فاتراً، على الأرجح، بعد تغريدة ساخرة للرئيس الأميركي حول تدني شعبية ماكرون الذي واجه، في الأيام الأخيرة، حركة "السترات الصفراء" الاحتجاجية ضد رسوم الوقود.

وعلى مر السنين، توسعت الأجندة الرسمية لمجموعة العشرين، إذ لدى المجموعة مبادرات مستمرة تهدف إلى: تمكين النساء، ومكافحة الفساد، وتعزيز الإدارة المالية، وتحسين نزاهة النظام الضريبي العالمي، والتعاون في التجارة والاستثمار، ودفع عجلة العمل في مجال المناخ، والتحول نحو أنظمة طاقة أنظف وأكثر مرونة وشفافية، وفق تقرير نشرته اليوم الخميس، منظمة "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركية. 

وحددت الأرجنتين ثلاث أولويات لرئاستها الخاصة للقمة هذا العام، تحت شعار: "بناء توافق في الآراء من أجل التنمية العادلة والمستدامة". وستطرح القمة موضوعات مختلفة، منها مستقبل العمل والتغيير التكنولوجي السريع، لدراسة التأثير المحتمل للأتمتة على العمالة.

كما ستبحث القمة ملف "البنية التحتية من أجل التنمية"، حيث تعتبر الفجوة صارخة في البنية التحتية العالمية، وهي واحدة من العوائق الرئيسية أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتفق عليها عالمياً. ووفقًا لمجموعة العشرين، يجب أن يستثمر العالم ما يقرب من 100 تريليون دولار حتى عام 2030 في البنية التحتية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

والأولوية الثالثة لقمة الأرجنتين ستكون تحت عنوان "مستقبل غذائي مستدام"؛ حيث تمثل بلدان مجموعة العشرين مجتمعة حوالي 60% من الأراضي الزراعية في العالم و80% من التجارة في السلع الغذائية والزراعية. وعلى مدى العقود الثلاثة القادمة، يجب أن يتضاعف الإنتاج الغذائي لتلبية النمو السكاني المتوقع والتغييرات الغذائية.
المساهمون