هل يهدد كورونا عرش الاقتصاد الصيني؟

08 مايو 2020
شركة تقنية بمقاطعة يوهان تعود للتشغيل (Getty)
+ الخط -
يحتل الاقتصاد الصيني المركز الثاني خلف الولايات المتحدة الأميركية في الاقتصاد العالمي، كما أنه المنتج الأكبر للسلع المصنعة تحويلياً.

وتشير أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي للصين بلغ 13.6 تريليون دولار في عام 2018 بما يمثل نسبة 15.8% من الناتج المحلي العالمي، كما أن حصة الصين من الصادرات السلعية في نفس العام بلغت 2.4 تريليون دولار بما يمثل نسبة 12.2% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم.

يأتي ذلك رغم تبني الاقتصاد الصيني لعملية تصحيح اقتصادي هيكلي خلال العامين الماضيين، سببت تراجعاً في معدل نموه، حيث أظهرت بيانات المكتب الوطني الصيني للإحصاءات تباطؤ نمو الصين إلى 6.1% في العام الماضي، مقابل 6.6% في 2018.

وعلى الرغم من أن النمو ما زال قوياً بالمقاييس العالمية، ويقع ضمن نطاق المستهدف الحكومي، فهو يمثل أضعف وتيرة منذ 1990.

ومن الواضح أن تمرير صعود الاقتصاد الصيني المستدام تحت أعين المنافسين الدوليين وترحيبهم بتوطين شركاتهم العملاقة على أراضيها، كان اتفاقاً غير مكتوب على تقسيم العمل الدولي، تقوم فيه الصين بدورها كمصنع عملاق للعالم، انطلاقاً من كثافتها السكانية الهائلة، وبالتالي الأجور الزهيدة للعمال، بالإضافة إلى حجم الإعفاءات الكبير والتسهيلات الضخمة للاستثمارات الأجنبية.

وعلى الجانب الآخر تتمتع القوى الكبرى بالإنتاج الرخيص بما يحقق الرفاهة لمواطنيها، مع الحفاظ الدائم على فجوة لصالح القوى التقليدية، التي تتدخل بحزم إن حاول العملاق الصيني تخطيها.
ومن هذا المنطلق كانت الحرب التجارية الأميركية الصينية، والتي حاولت أميركا من خلال جولات المفاوضات المتعددة عرقلة التمدد الصيني، وهو ما يمكن القول إنها نجحت فيه نسبياً بعد عدة جولات من عض الأصابع المتبادل، وهو ما يفسر، نسبياً، التراجع النسبي للاقتصاد الصيني في العامين الأخيرين مقارنة بالأعوام السابقة والمشار إليه سلفاً.

ثم انطلقت جائحة كورونا المستجد من الأراضي الصينية، والتي استطاعت بعد أسابيع معدودة السيطرة عليها نسبياً حتى أعادت 90% من عجلتها الإنتاجية للدوران طبقاً للكثير من التقارير.

ثم انتشرت الجائحة في آفاق المعمورة، لتحدث تأثيراً هائلاً على جميع الدول وعلى رأسها مراكز السيادة الاقتصادية العالمية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وانكشفت الأوضاع الإنتاجية لتلك القوى، خاصة الإنتاج الصحي، وغيره من السلع المصنعة لاسيما بعد التأثر السلبي لسلاسل الإمداد والتوريد العالمية، وبات واضحاً للجميع مدى الاعتماد العالمي على المصنع الصيني.

ودفعت التداعيات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا مراكز التفكير الاستراتيجي الكبرى في العالم لمحاولة التنبؤ بمستقبل العالم الاقتصادي والسياسي ما بعد كورونا، واتفقت أن العالم بعدها سيختلف حتماً عن العالم قبلها، خاصة في المجال الاقتصادي، لاسيما بعد الانكشاف الكبير للإنتاج المحلي للدول الاقتصادية الكبرى في العالم.

وذهبت بعض المراكز كذلك إلى أن الولايات المتحدة ستعيد ترتيب أولوياتها، وربما تنسحب تكتيكياً من بعض المناطق في العالم، وبعبارة أخرى ستؤدي أزمة كورونا إلى انكفاء أميركي محدود، بما يسمح بوجود فرصة لصعود قوى وتحالفات جديدة، وربما تفكك تحالفات قدیمة.
وبالطبع كان الامبراطور الصيني على قمة هرم الترشيحات لملء الفراغ الأميركي المحتمل، وذلك ما أثار التساؤل حول قدرات الصين وجاهزيتها، بل ورغبتها في المرحلة الحالية للقيام بهذا الدور.

وقبل أن نتوغل في الإجابات على هذا السؤال المحوري، يجب التأكيد على أن الفراغ الأميركي المحتمل لن يحدث بوتيرة سريعة وسيأخذ مداه الزمني، الذي قد يستغرق عدة سنوات وربما يحتاج إلى عقد كامل أو أكثر.

كما أنه يجب التأكيد على أنه مهما تأثرت الولايات المتحدة بأزمة كورونا ستبقى محتفظة بعوامل القوة التي تفوق غيرها من القوى العالمية وتحفظ لها صدارتها، وذلك يعني أن المساحات التي يمكن أن تتمدد فيها الصين محدودة وتحت السيطرة الأميركية، ولكن بصورة أضعف من المراحل السابقة، وكل ذلك يتوقف على جاهزية الصين لخلافة القطب الواحد جزئياً في ركن متوافق عليه من أركان المعمورة، في إطار ترتيب المسرح الدولي لما بعد كورونا.

أما إجابة التساؤل حول التوقع أن كورونا يمهد الأجواء لشغل الصين مساحات أكبر على المستويين السياسي والاقتصادي في مرحلة ما بعد القضاء على الفيروس، فمن الممكن الإجابة عنه من خلال عاملين، أولهما دروس الأزمة للاقتصادات العالمية.
وفي هذا يمكن التأكيد على أن الأزمة أثبتت أن العالم بحاجة لتعديد وتنويع مراكز الإنتاج العالمي، وهذا يعني نقل جزء كبير من الكتلة الإنتاجية الصينية إلى عدة مراكز إنتاجية مستحدثة ستختار بعناية بناء على عوامل منها توافر البيئة القانونية والادارية الخالية من البيروقراطية والإعفاءات الضريبية، والقدرات التمويلية الجيدة، ووجود العمالة المدربة والرخيصة، وتوافر البنية الأساسية الصناعية.

وثاني هذه العوامل يدور حول استعداد الصين وجاهزيتها للقيام بهذا الدور، فمن المؤكد أن الصين قد قطعت أشواطاً كبيرة في مجال الإنتاج الصناعي والتنافسية الدولية، ولكنها في نفس الوقت لا تزال قوة صاعدة لا سيما في المجال التكنولوجي والتي تعتمد فيه بصورة كبيرة على السطو على الملكية الفكرية الأميركية، كما أنها ليست منتجة للنفط ولا الغاز الطبيعي، إضافة إلى افتقادها للطبقة المتوسطة القوية التي يمكن أن تعوض نقص الطلب العالمي على منتجاتها، حيث لا تزال تعاني من تدني الأجور مقارنة باليابان وكوريا، بل وحتى مقارنة بهونغ كونغ.

كما أن الصين لن تستطيع الانتقال إلى الإنتاج النوعي على حساب الإنتاج الكيفي إذا أقدم العالم على خلق وتعديد وتنويع مراكز الإنتاج، وستقف الكثافة السكانية الهائلة أمام هذا التحول، وإلا ستتكلف معدلات بطالة ستؤثر حتماً على الاستقرار السياسي والأمني.

هذا بالإضافة إلى العديد من المشاكل السياسية الأخرى التي تعانيها الصين وعلى رأسها قمع الأقليات القومية والدينية، إضافة الى النظام السياسي شديد القمعية والذي قد ينفر الكثير من القوى العالمية من التعاطي مع هذا النموذج.
باختصار فإن الصين لم تستطع حتى الآن بناء نموذجها السياسي الخاص، الذي يوفر الاستقرار الداخلي، ويساعد على بسط الهيمنة الدولية، وأنها تدرك جيداً أنها في طور البناء وغير قادرة أو جاهزة لقيادة العالم فيما بعد كورونا.

بل وأعتقد أن حفاظها على مكتسباتها الاقتصادية التي حققتها في الفترات السابقة سيستلزم منها بذل الكثير من الجهد، لا سيما بعد التداعيات الاقتصادية لأزمة وباء كورونا على الاقتصاد العالمي، وهو ما سيؤثر سلباً، ولا شك، على الاقتصاد الصيني.
المساهمون