"ستيلتو"... حكاية حلم ذكوري يتحقق

08 أكتوبر 2022
بطلات مسلسل "ستيلتو": ريتا حرب وديمة قندلقت وكاريس بشار وندى أبو فرحات (تويتر)
+ الخط -

منذ أن بدأ عرض مسلسل "ستيلتو" الشهر الماضي، نُشرت عنه عشرات المقالات والمراجعات. جميعها اتبع النهج نفسه، القائم على مقارنة "ستيلتو" بالمسلسل التركي المقتبس عنه. المقارنات خجولة بغالبيتها، ولا تتعدى ببعض الأحيان المقارنة بين أشكال الممثلين الذين أدوا الشخصيات نفسها. ولا تسرد سوى بعض التفاصيل العامة عن كلا المسلسلين التي يمكن الحصول عليها من بطاقة العمل من دون متابعته، لتنتهي جميع القراءات، من دون خلق أي مقارنة نقدية فعلية بين عملين دراميين.

ربما جاءت المراجعات خجولة لاعتقاد كتابها أنه لا يمكن تقديم قراءة جيدة في مسلسل "ستيلتو"، من دون العودة لمتابعة المسلسل التركي الأصلي "جرائم صغيرة"، ليخلق ذلك حاجزاً أمام الجميع، وتكتفي المنصات والصفحات المتخصصة بالفن بنشر المعلومات العامة نفسها، من دون مجازفة بإبداء أي رأي نقدي. وقد يكون الرأي النقدي الوحيد المتداول عن المسلسل الذي يستحق الوقوف عنده انتقاداً ساخراً، يرى بأن العمل كان يجب أن لا ينتج أصلاً، ولا سيما أن المسلسل التركي الأصلي قد سبق وأن دبلج للعربية، وأن فكرة العمل ضعيفة ولا تستحق أن يُعاد إنتاجها إطلاقاً.

هذا الأمر يستحق التفكير فيه فعلاً: ما المميز بحكاية المسلسل أو فكرته حتى يُعاد إنتاجه؟ فكرة العمل قائمة على التحقيق في جريمة قتل حدثت في أحد بيوت الطبقة المخملية. خلال التحقيقات، يأتي السرد الذي يشذّ كثيراً عن جوهر الموضوع، ويضيع في التفاصيل السطحية التي قد تبدو من دون معنى في سياق التحقيق. هذه التفاصيل هي المقصودة بعنوان المسلسل التركي الأصلي "جرائم صغيرة". وعلى الرغم من أن متابعة العمل قد تولّد الضجر، فإن ذلك لا ينفي حقيقة وجود شكل مميز للحبكة الدرامية فيه، ما يجعل كل شيء يبدو عبثياً، رغم وجود سياق واضح، بسبب اختلاف خضوع الحكاية لمعايير نسبية تجعل موضع بؤرة الاهتمام يتبدل.

شكل الحبكة هذا ليس جديداً في الدراما والأدب، فملامحه الأولى تجلت بكتابات فيرجينيا وولف، في رواية "السيدة دالاواي" التي يضيع السرد فيها بالتفاصيل اليومية الصغيرة، في اليوم الذي تقرر فيه "السيدة دالاواي" الانتحار. ومسلسل "ستيليتو" يوظف شكل السرد هذا في سياق كوميدي، بوضعه ضمن إطار غرفة التحقيق التي يُفترض أن يكون السرد فيها واضحاً ومقتضباً، وأن تكون الإجابات مباشرة. إلا أن آلية توظيف هذا الشكل الدرامي لا تبدو بريئة في "ستيلتو"، ومشكلتها أنها ترسّخ أفكاراً ومعايير ذكورية تحط من شأن المرأة، وتعلي من مكانة الرجل.

ففي غرفة التحقيقات، تسرد الحكاية قصص عدة شخصيات هامشية على مسامع اثنين من المحققين: رجل وامرأة؛ الرجل يتقمص انطباعات الجمهور، ويعبر عن امتعاضه من الشذوذ عن الموضوع وعن ملله من التفاصيل السخيفة غير المرتبطة بشكل مباشر بالقضية، وأما المرأة فتتفاعل مع السرد وتبالغ بالحماسة أحياناً، لتسأل بعض الأسئلة الزائدة عن الحاجة التي تهدف إلى معرفة المزيد من التفاصيل البعيدة عن الجريمة. وتنتقد ببعض الأحيان ردود أفعال الشخصيات وتعطي انطباعات مجانية. لتوحي الفوارق بردود الفعل بين المحقق الرجل والمحققة المرأة أن النساء يملن للمواضيع التافهة بطبعهن، وأنهن غير مؤهلات لقيادة دفة التحقيقات.

الذكورية لا تقتصر على الفوارق بتلقي الحكاية بين المحققين، وإنما هي ركن من أركان الحكاية التي نعايشها؛ فعلى الرغم من بناء الحكاية حول شخصية نسائية تتمتع بالاستقلالية، وتخترق مجتمع صديقاتها القدامى اللواتي يعشن ببنية ذكورية، فإن الأدوار الجندرية الاجتماعية تتوزع فيه، ليكون البيت هو المكان المناسب للمرأة. وعلى الرغم من أن هذا الاختراق، يلقي بظلاله على خيارات بعض الشخصيات التي تدخل سوق العمل وتزاحم للحصول على مكانتها، بعد سنوات طويلة من الخضوع للأعراف الخاصة بالأدوار الاجتماعية، فإن حكاية المسلسل الرئيسية لا يمكن النظر إليها سوى كحلم ذكوري يتحقق، فهي حكاية كتبت وصورت لقلب المعايير والأحكام، لشيطنة الزوجة التي تتعرض للخيانة، ولتبرير نزوات الرجل. 

بهذا، تُصوّر الزوجة المخدوعة فلك (ديمة قندلفت) كامرأة شريرة تستحق كل ما يجري لها، وتصور صديقتها وعشيقة زوجها، الدكتورة ألمى (كاريس بشار) كامرأة مثالية تكاد تصل لمرتبة الخير المطلق. وليزيد المسلسل الشعر بيتاً، يصور استقلالية ألمى كأمر عارض، وأن شخصيتها تكاد تتعطل عند عتبة مشاعر الحب التي تعيدها إلى "مكان الأنثى الطبيعي"، وتقيدها به في النهاية.

المساهمون