جائزة لعادل العربيّ: "لا للاستسلام إذْ علينا أنْ نحاول دائماً"

30 أكتوبر 2023
عادل العربي: "باني جسور بين ثقافات وأجيال وشبابٍ" (إيما ماكنتَيِر/Getty)
+ الخط -

 

في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نال المخرج السينمائي البلجيكي عادل العربي "جائزة المواطنة"، التي تمنحها "مجموعة P&V". المجموعة هذه شركة بلجيكية متخصّصة بالتأمين، والحرفان لكلمتين، فرنسية وهولندية، تعكسان معاني تجهد الشركة في تحقيقها: "التبصّر" (Prevoyance، التي إنْ توضع كلمة Sociale معها، يُصبح معناها "الضمان الاجتماعي"، وهذا بدوره جزءٌ من عملها)، وVoorzorg (باللغة الهولندية)، التي تعني "الاحتياطات".

التعريف الأساسي بالجائزة (التي تُقدَّم سنوياً منذ عام 2005) يُفيد بأنّها "تُمنح لأشخاصٍ يستثمرون، بطريقة مثالية، من أجل مجتمع أكثر انفتاحاً وديمقراطية وتسامحاً". أما منحها هذا العام للسينمائي مغربي الأصل، فيُراد له أن يكون "حاجزاً أمام اليمين المتطرّف، بتتويجها ليس خصماً، بل شخصيةً تفرض صورة أخرى لتنوّع مجتمعاتنا"، كما في تقديم حوار معه لبياتريس دِلْفو وغايل مووري، منشور في "لو سوار" (صحيفة يومية بلجيكية تصدر باللغة الفرنسية)، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023. أما أوليفييه سِرْفي، رئيس الهيئة التنظيمية في المجموعة، فيعتبر أنّ عادل العربي "باني جسورٍ بين الثقافات المختلفة، وبين الأجيال المختلفة، وبين مجموعات مختلفة من الشباب".

"مجموعة P&V" تقول إنّ عادل العربي، الحاصل على الجائزة "لالتزامه تجاه الشباب"، قادرٌ "عبر حياته المهنية على كسر "كليشيه" عدم إمكانية الوصول. عمله يعكس، غالباً، تجارب أشخاصٍ وتحدّياتهم، (والأشخاص هؤلاء مُتحدّرين) من خلفيات متنوّعة. من دون اتّباع نهج وعظيّ، يضع إصبعه على جروح المجتمع". فهو رافضٌ لفكرة الاستسلام "من دون أنْ نحاول"، متسائلاً، في تصريحٍ منشورٍ في الموقع الإلكتروني (يوم إعلان الفائز بالجائزة) لـRTL info: "من يظنّ سابقاً أنّ صبيّين اثنين من أصل مغربي من بلجيكا (يقصد نفسه وصديقه بلال فلاّح ـ المحرّر) سيُخرجان Bad Boys (الجزء 4، إنتاج 2024 ـ المحرّر)؟ مع ذلك، هما ناجحان في هذا. عليك أنْ تؤمن (بقدرتك على تحقيق ما تريد)، وتعمل (لتحقيقه). يجب أنْ تكون لديك مهارات تقنية، وأنْ يكون لديك ما تقوله، وأنْ تكون مستعداً للمثابرة".

بحسب "لو سوار" نفسها ـ التي تختار جملةً له عنواناً لمادتها الصحافية، تقول: "لنكن سفراء أصلنا وثقافتنا، لا المُقاتلين من أجلهما" ـ سيكون عادل العربي أوّلَ مغربي ينتسب إلى "مدرسة سينتِ لوكاس للسينما" في بروكسل، وأصغر طالبٍ فيها، وأوّلَ شمال أفريقي يُتوَّج بلقب "أذكى رجل في العالم" (Slimste Mens Ter Wereld، اللقب بلغة أهل المنطقة الفلمنكية في بلجيكا، فالعربي مولودٌ في "إيْدِخِم" في مقاطعة "أنفِر"، في 30 يونيو/حزيران 1988)، وأوّلَ مغربي من بلجيكا بعد نبيل بن يدير يُخرج فيلماً روائياً، وأوّلَ مخرج فلمنكي بعد مايكل ر. روسكام "يقوم بتلك الرحلة إلى هوليوود".

يريد العربي، في الوقت نفسه، "أنْ يجلب الشباب من الأحياء إلى عالمه، مُنشئاً وكالة "كاستينغ"، للتمكّن أخيراً من إدراج الممثلين البلجيكيين ذوي الخلفيات المُهاجرة في الجينيريك".

 

 

في فيلمهما الأخير "متمرّد" (2022)، يسرد المخرجان، العربي ـ فلاّح، حكاية كمال (أبو بكر بن سايحي)، مغنّي "راب" بلجيكي، مغربي الأصل، يُقرّر السفر إلى حلب متطوّعاً لمساعدة ضحايا الحرب. عائلته موجودة في "مولنبيك"، وشقيقه الأصغر نسيم (أمير العربي) متأثّر كثيراً بشقيقه الأكبر، ويريد اللحاق به. لكنّ نسيم يُتَّصل به من مُجنِّدٍ يعمل مع "داعش"، فتجهد والدته ليلى (لبنى أزابال) في حمايته من هذا المصير، بينما كمال عالقٌ في هذا النزاع، ويُفرض عليه الالتحاق بتنظيم مسلّح "غصباً عنه". تفاصيل كثيرة تكشف صراعاً، نفسياً وعقلياً وعاطفياً، والمحاولات حثيثة لخلاصٍ مُرتجى.

في حواره مع "لو سوار"، يروي عادل العربي، ردّاً على سؤال متعلّق بجريمة 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي يرتكبها عبد السلام لسود، التونسيّ المُقيم بصفة غير شرعية في بلجيكا، والمطلوب من بلده بتهمة القتل أيضاً (في بروكسل، يقتل سويديّين اثنين ويجرح ثالثاً)، أنّ الممثل بن سايحي نفسه يُشاهد القاتل حاملاً سلاحه قبل تنفيذه الجريمة: "هذا لا يُصدّق. الممثل المُشارك في الفيلم يحاصره الواقع. إنّه تأكيدٌ أيضاً أنّ هذه الظواهر لا تزال موجودة. يسألني أناس كثيرون عمّا إذا كان الأمرُ منتهياً، فأجيب بالنفي، وأقول إنّه سيكون هناك دائماً ذئب وحيد يمكنه ارتكاب أفعال (كهذه)".

إذاً، هل يُحبطه هذا؟ فللسينمائي، بحسب بياتريس دِلْفو وغايل مووري، "مسار مثالي يُظهر أنّه يمكننا بلوغ مكان ما، وإنْ لم يكن الأمر سهلاً بالضرورة". وللعربي مبادرات عدّة، ومنخرط في جمعيات مختلفة: "يُمكن أنْ يُثبطني هذا، لكنّه في الواقع يُحفّزني: يجب الاستمرار بتحقيق أشياء كهذه (أفلام ـ المحرّر)، لأنّها أهمّ من أي وقت ماضٍ. لذا، فإنّ فيلماً كـ"متمرّد" يُمكن عرضه في مدارس وأمام شبابٍ، لنخبرهم أنّه واقع، وعلينا أنْ نكون حذرين، وأنْ نضمن أنّ الأجيال المقبلة لن تقع في الأخطاء نفسها. هذا ما أتمنّى أنْ أساهم فيه".

لكنْ، هل يُمكن لفيلمٍ أنْ يفعل هذا؟ "يمكن أنْ يكون الأمر ساذجاً، فواضح أنّ الفيلم لا يستطيع حَلّ المشاكل كلّها. رغم هذا، إذا كان هناك شاب ربما يريد فعل الشيء نفسه، فإن مشاهدته الفيلم يمكن أنْ تمنحه عقلية مختلفة، أو أملاً أو رغبة في صنع سينما، بدلاً من ارتكاب أفعال كهذه. إذا تمكّنا من تحويل الكراهية إلى شيءٍ إيجابي، نكون نساعد المجتمع فعلياً، حتى لو مع شخصٍ واحد فقط".

المساهمون