"دانيال" يجرف معالم درنة التاريخية والثقافية

"دانيال" يجرف معالم درنة التاريخية والثقافية

20 سبتمبر 2023
أضرّت السيول بـ1500 مبنى في المدينة (محمود تركيّة/فرانس برس)
+ الخط -

جرفت كارثة العاصفة دانيال جانباً كبيراً من وثائق تاريخ وثقافة مدينة درنة، الساحلية في الشمال الشرقي لليبيا، التي لطالما اشتهرت بوصفها مدينة الأدب والثقافة والفنون.

واستيقظ من تبقى من أهل المدينة، صباح الاثنين الماضي، على اختفاء أبرز المعالم التاريخية والثقافية في المدينة، فأضرحة صحابة النبي الثلاثة التي كانت تزدان بها المدينة على ضفة وادي درنة الشرقية جرفتها السيول ولم يبق منها شيء، وكذلك المسجد العتيق الذي يعود بناؤه الى 400 عام مضت، والسوق القديم، بالإضافة لدار المسرح التي عرض على خشبتها أوّل مسرحية ليبية عام 1908.

وفيما أعلنت حكومة الوحدة الوطنية أن السيول أضرت بـ1500 مبنى بمدينة درنة، من بينها 891 مبنى تضرّرت بالكامل، ولم تخص المباني التاريخية بالذكر من بينها، كما لم تعلن مصلحة الآثار الحكومية حتّى الآن حجم الأضرار التي في معالم التراث الثقافي والتاريخي.

وتُعد درنة من أعرق المدن الليبية في عمق التاريخ، إذ ذكرها هيرودوت في كتابه التاريخ ووصف جمال طبيعتها بأنه نادر المثيل، أما عن أمطارها التي جعلت أراضيها خصبة، فلم يجد وصفاً لغزارتها إلّا بقوله "وكأن السماء انفتحت"، لكن ذلك كان في عصور غابرة من دون آثار تدلّ عليها، بحسب الأكاديمي وأستاذ علم الأثار ونيس عبد الحميد.

وأشار عبد الحميد في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ مدينة درنة التي كانت توصف بـ"عروس الجبل"، وأيقونة الثقافة والأدب لكثرة ما أنجبت من مثقفين وشعراء وأدباء، أصبحت منذ يوم الكارثة "ترثي نفسها، وتبكي تاريخها الذي اختفت شواهده".

وقال إنّ "شواهد تاريخ المدينة تعود إلى الفتح الإسلامي حيث استشهد فيها ثلاثة من الصحابة وسبعون من التابعين في إحدى معارك جيوش الفتح التي حصلت على الجانب الشرقي لوادي المدينة ودفنوا في ذات المكان، قبل أن يقيم عليهم سكان المدينة أضرحةً وقباباً تحولت مع مرور الوقت إلى شواهد تحفظ تاريخ كل الفترات التاريخية اللاحقة"، مشيراً إلى أنّ التحديثات اللاحقة على الأضرحة تركت زخارف وفنوناً من كل فترة مرت بها المدينة.

ويضيف: "وفاء وحب المدينة لكل من يدخلها لا حد له، ففي الفترة العثمانية الوسيطة كان في المدينة والٍ عثماني قدم لأهل المدينة خدمات عديدة فدفنوه إلى جانب الصحابة وأقاموا له ضريحاً أيضاً".

وتابع: "من شواهد التاريخ أن أول غزوة نفذتها قوات الولايات المتحدة الأميركية في أول نشأتها كانت على مدينة درنة، وفيها انتصر الأهالي على الغزو الأميركي وتم أسر البارجة فيلادلفيا، ومنها خرج المدد والمجاهدون لدعم أهل مصر في صدّ حملة نابليون بونابرت".

وقال: "كل تلك الأحداث كانت لها شواهد وآثار، لكن السيول أتت عليها وجرفتها ضمن ما جرفت"، مشيراً إلى أن السيول لم تقضِ على الأموات فقط، بل "أحالت شواهد الثقافة والأدب في عداد الأموات، فمن بين عداد ضحايا السيول مثقفون وشعراء وأدباء ورياضيون".

ونشرت بعض المنصات الإلكترونية أدلة على بقاء قبور الصحابة، لكن عبد الحميد يوضح قائلاً: "لا أتحدث عن القبور بل أتحدث عن القباب والأضرحة ذات القيمة التاريخية والأثرية الكبيرة التي جرفتها الفيضانات، والأمر نفسه ينطبق على اختفاء كامل المسجد العتيق بكل عقوده وأقواسه وقبابه الـ42 قبة وأعمدته وزخارفه".

واهتمت مواقع التواصل الاجتماعي بتناقل قصيدة كتبها شاعر درنة، مصطفى الطرابلسي، قبل أن يقضي في سيول الإعصار بيومين، ونشرها على صفحته عبر "فيسوك"، وتضمنت أبياتها توقعاً بانهيار سد وادي المدينة الذي تسبب لاحقاً في كارثة السيول والفيضانات.

وعلّق ابن درنة، الكاتب آدم العوامي، على قصيدة الطرابلسي بالقول: "لقد نظم عدد من النشطاء بالمدينة ندوة للتحذير من مغبة انهيار سد وادي المدينة وكان الطرابلسي مشاركاً فيها، وانتهت الندوة بامتعاض وحسرة شديدين، إذ لم يشارك أي من مسؤولي المدينة فيها رغم دعوتهم، وأعتقد أن ذلك كان سبباً لكتابة مصطفى قصيدته".

وأضاف العوامي في حديثه مع "العربي الجديد": "بجانب قبور الصحابة زاوية علمية جرفتها السيول أيضاً، كانت معلماً لطالما خرج العلماء وكان مقصداً تعقد فيه مجالس العلم"، مشيراً إلى أنّ درنة استقبلت مئات اللاجئين من الأندلس، الذين فرّوا من انتهاكات محاكم التفيش الإسبانية في القرن السادس عشر.

وتابع: "نجم عن تلك الهجرة تشكّل مجتمع من الأسر الأندلسية التي بقيت إلى اليوم، وامتلكت سجلاً شفاهياً، ينتقل بالتواتر، للكثير من الموشحات الأندلسية التي كانت المدينة تعرفها جيداً، حتّى أتى السيل وقتل ثلاثة من آخر الفنانين الذين يغنون ويتقنون هذه الموشحات".

المساهمون