"روابط" لا روابط فيها: تماسك بدون كلاسيكية مألوفة

"روابط" لا روابط فيها: تماسك بدون كلاسيكية مألوفة

01 فبراير 2021
"الروابط": نظرة جديدة وطرح سينمائي مغاير (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -

في "الروابط"، يُطلعنا الإيطالي دانيلي لوكيتي (1960) على جانب مُغاير من مآسي العلاقة الزوجية. فيلمٌ ينتمي إلى دراما المشاكل، أو الأزمات الزوجية. رغم القصّة العادية، وحتى المُكرّرة، نجح دانيلي لوكيتي في الهروب من مآزق هذا النوع من الأفلام، بإبعاد فيلمه عن ميلودرامية الطرح، ونمطية الأداء، وقولبة الشخصيات. في "الروابط"، هناك القديم والعادي والمألوف، لكنْ بنظرةٍ تبدو جديدة، وبطرحٍ سينمائي مغاير بعض الشيء، ومعالجة ابتعدت، قدر الإمكان، عن السرد الكلاسيكي.

المحصّلة: فيلمٌ متماسكٌ إلى حدّ كبير، ومشوّق وممتع، لكنّه غير مُشبع كثيراً، نفسياً وعاطفياً وفكرياً، مقارنةً بغيره من النوع نفسه.

"الروابط" ـ الذي افتتح الدورة الـ77 (2 ـ 12 سبتمبر/ أيلول 2020) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي" ـ ليس أول فيلم يتناول تبعات فشل الزواج أو مشاكله، وتأثير ذلك على الأطفال وتربيتهم. جديده مُستمدّ من تجاوزه لرصد التبعات في مرحلة الطفولة، والانتقال إلى إبراز ذلك في مرحلة النضج، من دون تمهيد مُباشر لتلك النقلة، فالفيلم برمّته قائمٌ على الانتقال المفاجئ في الزمن: ألدو وفاندا في شبابهما، وما حدث بينهما، وانفصالهما، ثم علاقتهما بعد 30 عاماً. هذا من خلال عيشهما معاً في شقّة راقية في نابولي.

ما الذي حدث في 3 عقود؟ لا أحد يعرف، والسرد لم يهتمّ بذكر تفاصيل كثيرة.

افتتاح "الروابط" يحدث في نابولي، أوائل ثمانينيات القرن الـ20. بعد أمسية احتفالية سعيدة، يعترف الشاب المثقّف، والمذيع المرموق في الراديو، الذي يعمل في روما، ألدو (لويجي لو كاشيو)، لزوجته المُعلّمة الشابّة الجميلة، فاندا (ألبا رورفاخر)، أنّه مرتبطٌ بعلاقة مع ليديا (ليندا كاريدي)، زميلته في العمل، وأنّه يحبّها، ويخطّط للعيش معها في روما. من ناحية، تظهر ردود فعل فاندا واستجابات ألدو، ومن ناحية أخرى، هناك اجتياز التبعات واستقرار الأمور بينهما، حتّى فيما يتعلّق بحضانة الطفلين.

مُجدّداً في نابولي: ألدو (سيلفيو أورلاندو) وفاندا (لورا مورانتي) بداية شيخوختهما. ألدو ترك ليديا، وعاد، بعد فترة غير معروفة مدّتها، إلى بيته، ليُكمِل حياته مع فاندا. عودة يبدو أنها ليست بدافع حبٍّ محض، أو رغبة عارمة في التمسّك بالآخر، ولا من أجل طفليهما. بل فقط لأنّه ترك ليديا.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

هذا يؤدّي إلى تساؤلٍ عن ماهية تلك العلاقة المربكة والمرتبكة، وذلك الزواج القائم على علاقة سادو ـ مازوشية، وعن الأسباب التي تدفع ألدو وفاندا إلى عيش سنواتهما الأخيرة معاً، رغم التنافر الواضح بينهما، وعدم صفاء القلوب، المُتجلّي في أبسط تفاصيل علاقتهما اليومية، أو في وقت الشدّة، عندما تعرّضت شقتّهما للتدمير.

أسئلة عدّة تُطرح: لماذا يبقى الناس معاً؟ أهو الحبّ أو الانجذاب الجنسيّ أو الصداقة؟ أم أنّ الأمر يتلخّص في اعتيادهما على وجود أحدهما في حياة الآخر، بصرف النظر عن طبيعة هذا التواجد؟ في "الروابط"، واضحٌ أنّ الحبّ ذبُل وتحوّل مع مرور السنين إلى تواطؤ مكتوم، ثم انقلب مُؤخّراً إلى تعذيب مُتبادل. الفيلمُ غير معنيّ بتقديم إجابات شافية، أو تفسيرات أو توضيحات. فقط مواقف متراكمة، عبر الماضي والحاضر، توضح طبيعة الزوجين، والعلاقة بينهما. مَشاهد اكتفت بالرصد، من دون الاعتناء كثيراً بالتطوّر، على كافة المستويات.

في "الروابط"، ما من روابط قائمة على أساس متين يسهل تلمّسه فعلاً بين أيّ شخصية من الشخصيات: ألدو وفاندا، ألدو وفاندا والطفلان، ألدو وليديا. الجميع يخفون مشاعر ونوايا كثيرة، ليس عمداً فحسب، بل جهلاً أيضاً. حتى دانيلي لوكيتي تعمد إخفاء الكثير، في السيناريو الذي كتبه مع دومينيكو ستارنوني وفرانشيسكو بيكولو، والمُقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2014)، للأديب والصحافي والممثل الإيطالي دومينيكو ستارنوني. تجلّى هذا في إسقاط 3 عقود من حياة الزوجين، بكل ما فيها من تطوّرات شخصية ونفسية وعاطفية.

اعتمد لوكيتي، في الفيلم كلّه، على تقنية المونتاج المتوازي في سرد الأحداث، حيث انتقل كثيراً، ذهاباً وإياباً، بين الماضي والحاضر. ببراعة، نجح بفضل تلك التقنية، المُربكة في البداية، في ربط المُشاهدين أكثر بالزوجين وبمشاكلهما، في مرحلتي الشباب وخريف العمر، من دون تركيز شديد على الطفلين، وطفولتهما ومشاعرهما، وتأثّرهما بما يحدث بين والديهما. قبل مفاجأة نهاية الفيلم، المتمثّلة بتسليط ضوءٍ على ثمرة هذا الزواج غير السوي، والمُتجلية في ابن وابنة، آنا (جيوفانا ميزوجيورنو)، وساندرو (أدريانو جيانيني)، ما يوضح أنّ مشاكل هذا الزواج لم تقتصر على ألدو وفاندا فقط.

لكنْ، بدلاً من التوقّف كثيراً عند آنا وساندرو، وهما في ثلاثينيات عمرهما الآن، وإبراز عمق جرحيهما الظاهرين، نفسياً وعاطفياً، اكتفى "الروابط" بكشف القليل: تفجير غضب مكبوت، ومصارحات، واجترار ماضٍ وآلام. مع ذلك، الرسالة جليّة: رغم النضج والنجاح وحبّ الوالدين ومسامحتهما، تظلّ آثار تدمير الروابط قائمة وغائرة، ملقيةً تبعاتها على الأبناء، والأحفاد أيضاً.

المساهمون