عرض "سراب" في رام الله: النكبة تتكرر في كل يوم

30 مايو 2024
يعكس "سراب" حالات المُهجرين من ديارهم تحت وقع جرائم الإبادة (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عرض "سراب" يجسد قضية اللجوء وتهجير الفلسطينيين، معتمدًا على فنون السيرك والرقص لتصوير الضغوط والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون، مع التركيز على أحداث غزة.
- يمزج العرض بين الأكروبات، الموسيقى، والدبكة الشعبية لعرض تجربة فنية تعكس صمود وأمل الفلسطينيين، مؤكدًا على أهمية الحراك الثقافي في تقديم الرواية الفلسطينية.
- "سراب" يعيد سرد قصة النكبة بأسلوب مبتكر، مع التأكيد على حتمية العودة ودعم حملة إغاثة غزة، مما يبرز دور الفن في التعبير عن القضايا الإنسانية والوطنية.

صحيح أن عرض "سراب" لفرقة مدرسة سيرك فلسطين يتناول قضية اللجوء عامة، وتهجير الفلسطينيين قسراً في عام 1948 على يد العصابات الصهيونية، وقتذاك، إلا أنه يحاكي أيضاً النكبة المتواصلة في قطاع غزة، تبعاً لاستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويمزج العرض (احتضنته قاعة قصر رام الله الثقافي)، ما بين فنون السيرك، من أكروبات وفنون حركية أخرى، كالرقص المعاصر والدبكة الشعبية الفلسطينية والمسرح، متكئاً على لغة الجسد، إلى جانب حوارات قصيرة متقطعة صيغت بحرفيّة عالية، إضافة إلى الصوت الذي كان عاملاً مُهمّاً، شكلاً ومضموناً، لجهة تكوين العمل، ولفهم مضامينه والتعبير عنها.

"سراب" وتطوّر السيرك الفلسطيني

قدّم الفنانون المشاركون في "سراب" على مدار ساعة من الزمن، عملاً تعبيرياً يُقدّم السيرك بعصريّته التي تتكئ على فنونها وتنفتح على فنون أدائية أخرى، ما عكس تطوّر إنتاجات مدرسة سيرك فلسطيني. فعلى الصعيد الشعوري، مسّ العرض الحاضرين بشكل عبّروا عنه في نقاشاتهم بعد انتهائه. وعلى الصعيد الفنّي، كان متماسكاً كتابةً، وتصميماً، وأداءً حركيّاً، وإخراجاً، وسينوغرافيا.
بدأ العرض بمشهد شابة ترقص على أنغام موسيقية شعبية دارجة في فلسطين وبلاد الشام، حتى يأتي "الغرباء"، ويبدأون تدريجياً بتضييق المساحة عليها، بينما تصرّ على مواصلة الرقص، إلى أن تدوي صفّارات الإنذار، وتعم أصوات الانفجارات الجغرافيا الافتراضية للعمل، التي تصلح أن تكون فلسطين، في أي زمنٍ؛ سواء في عام 1948 أو 1967 أو الآن، أو بما يتجاوز الجغرافيا الفلسطينية لجغرافيات قريبة أو بعيدة عانت من احتلالات.
كانت العبارة التي أطلقتها فنانة أخرى، بينما يحاول أقاربها إنقاذها، بأن "الأشلاء في كل مكان"، كافية للتعبير عمّا حدث قبل عقود في فلسطين، إبان نكبة عام 1948، وما يحدث الآن منذ قرابة الثمانية أشهر في قطاع غزة، بسبب العصابات الصهيونية قبل تقنينها جيشاً، أو بسبب جيش تسيطر عليه العقلية الصهيونية العنصرية المتطرفة.
ليس من السهل على المكتوين بنار ما يحدث في قطاع غزة، عبر استشهاد أو إصابة أقاربهم هناك، أو عبر ما يتابعونه على الفضائيات، أن يتابعوا العرض، الذي كان أشبه بمحاكاة لتلك المشاهد التي نراها يومياً عبر الشاشات آتية من القطاع، أو ما يحدث في مخيمات الضفة الغربية.
وما بين أداء منفرد أو ثنائي أو ثلاثي أو يزيد، قدّمت الفرقة، على واقع موسيقى مُسجلة، وأخرى حيّة لجوقة الكمنجاتي، ما يعكس حالات المُهجرين من ديارهم تحت وقع جرائم الإبادة، من رعب وقلق.
وظّف الفريق تقنيّات السيرك في العرض بعفوية، ما جعلها جزءاً محورياً تدور في فلكه الأحداث كلها، بما في ذلك تسلق الأعمدة المثبتة بحبال، والذي يتحوّل في تكوين لاحق إلى سفينة تُقل الهاربين إلى بلاد أكثر أمناً، أو هكذا يخالون عبر البحر، وسط صراع على النجاة، كما كان يحدث مع العديد من شباب غزة قبل الحرب الأخيرة، وعائلات بلدان مجاورة، وخاصة سوريا ولبنان ومصر، مع أن "اللجوء" في زمن تتفاقم فيه الحروب، كزماننا، بات حالة إنسانية، ولم تعد مقتصرة على الفلسطينيين، كما كانت عام 1948، وهو ما ينطبق على تسلق الحبال والأقمشة البيضاء المعلقة كأكفان مُفترضة، فالطريق إلى البرّ ليست أجمل من البرّ نفسه في حالة كهذه، هذا إن حالفهم الحظ ووصلوا إليه.
يشير المدير التنفيذي لمدرسة سيرك فلسطين محمد رباح، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن العرض أُنتج في عام 2017، و"ما يحزننا أنه يبدو وكأنه خرج ممّا يحدث الآن، ليس فقط في فلسطين، بل في العديد من دول العالم"، موضحاً أنه جاء بمبادرة من الفنانين أنفسهم لتقديم عرض يمزج فنون السيرك بفنون أدائية أخرى لأغراض طرح قضية اللجوء ومعاناة اللاجئين.

أعمال فنيّة تحاكي الواقع

يقول رباح إن فريق العمل تغيّر، وأُضيف ما هو جديد، خاصة على مستوى الحركة، مع الاتكاء على الفكرة ذاتها والمضمون ذاته. هذا التطوير جاء بناءً على رؤية الفنانات والفنانين الخمسة الجدد، لافتاً إلى أن العرض في قصر رام الله الثقافي لعمل "سراب" هو العرض الأدائي الأول للجمهور، بعد سلسلة عروض في المدارس وداخل خيمة السيرك في مقره ببلدة بيرزيت القريبة من مدينة رام الله.
يشير رباح إلى ضرورة تقديم أعمال فنيّة تحاكي الواقع، ليس فقط خارج فلسطين، بل داخلها، مشدّداً على أن الحراك الثقافي لا يقل أهمية عن غيره من الحراكات، خصوصاً في مدن الضفة الغربية، فعلى الشارع الفلسطيني، كل في مجاله، التحرك، لإيصال "رسالتنا إلى العالم، والتي هي رسالة صمود وتحدٍّ وأمل، ولنقل روايتنا ومعاناتنا أيضاً ليس فقط إلى جمهور دول العالم المقرر تقديم العروض فيه، بل إلى الأجيال الفلسطينية الشابة، إذ من المقرر أن يتجوّل العرض في عدد من المدن، تبعاً للظروف الميدانية والنفسية والمالية، خاصة أن فعل اللجوء من شأنه أن يضرب الفنون والحراك الثقافي في مقتل، وهو ما حدث إبّان النكبة الفلسطينية عام 1948".

بدوره، لفت رئيس بلدية رام الله عيسى قسيس، في كلمة مُقتبضة له ألقاها قبيل انطلاق العرض، إلى أن عرض "سراب" لفرقة مدرسة سيرك فلسطين، بالشراكة مع "الكمنجاتي"، يكتسب أهميته ليس فقط في إعادة سردية النكبة وتقديمها وفق "رؤيتنا الفلسطينية في مواجهة رؤية المحتل فحسب، وبطريقة مبتكرة تتكئ على الجسد كأداة للتعبير، بل بتأكيدها من خلال العرض في المدن الفلسطينية المنكوبة على كون عودتنا حتمية، ولجوئنا مؤقت"، مشيرا إلى أنه رُصد ريع تذاكر دخول العرض لصالح حملة إغاثة غزة التي تقوم عليها بلديّات رام الله والبيرة وبيتونيا لصالح الهلال الأحمر الفلسطيني.

المساهمون