لماذا تغيب الأفلام العربية عن صالاتها التجارية؟

لماذا تغيب الأفلام العربية عن صالاتها التجارية؟

26 ديسمبر 2022
مريم التوزاني: هل سيُعرض فيلمها "أزرق القفطان" عربياً؟ (توماس نيدرميولر/Getty)
+ الخط -

 

إعلان اللائحة القصيرة (22 ديسمبر/كانون الأول 2022) للأفلام المختارة للتنافس على الترشيح الرسمي لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، في النسخة الـ95 (12 مارس/آذار 2023)، دافعٌ إلى استعادة نقاشٍ عربيّ، يبدأ بالحضور السينمائي العربي في هذه الفئة، التي تُكرمّ "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" عبرها فيلماً أجنبياً. الهوس العربي بـ"أوسكار" هوليوود لا مثيل له، بالنسبة إلى جوائز أخرى، لن تكون أقلّ أهمية، رغم أنّها أقلّ شهرة، كجائزتي "بافتا" البريطانية و"سيزار" الفرنسية.

اختيار "أزرق القفطان" (2022)، للمغربية مريم التوزاني، إنهاءٌ لجدلٍ مرتبط بهذا الهوس العربي، سيتكرّران (الهوس والجدل) سنوياً. الأفلام الأخرى، بعيداً عن كلّ قراءة نقدية لها، غير متجاوزةٍ الخطوة الأولى، المتمثّلة باختيار دول عربية لها، للمشاركة في المرحلة الأولى للتصفيات، السابقة للترشيح الرسمي (24 يناير/كانون الثاني 2023). اللائحة القصيرة في فئة أفضل فيلم أجنبي طويل تضمّ 15 فيلماً، من 92 بلداً. الهوس العربي ينتهي، والانتظار المغربيّ يحتاج إلى وقتٍ لبلوغ خاتمةٍ، يتمنّى كثيرون/كثيرات أنْ تتوافق ورغبتهم في تحقيق "نصرٍ" جديد، يكون نوعاً من امتدادٍ لـ"نصرٍ" مغربيّ سابق، يتحقّق بوصول المنتخب المغربي إلى المركز الرابع، في بطولة كأس العالم لكرة القدم (مونديال قطر، النسخة الـ22، 20 نوفمبر/تشرين الثاني ـ 18 ديسمبر/كانون الأول 2022).

لكنّ فوزاً بجائزة سينمائية، وإنْ تكن مهمّة في صناعة الفنّ السابع كـ"أوسكار"، يُفترض به ألاّ يُغيّب الأهمّ في المشهد السينمائي العربي. ففي مقابل انهياراتٍ شتّى تُعانيها مجتمعات ودول عربية، في السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام وغيرها، وبعض الانهيارات متمثّلٌ بتنامي البطش السلطوي في دولٍ أكثر من غيرها؛ هناك حركةٌ إنتاجية تؤدّي، غالباً، إلى إنجاز أفلامٍ تمتلك شرطها البصري، جمالياً وفنياً وتقنياً، من دون أنْ تُعرض في صالات عربية مختلفة. هذا مرتبطٌ بغيابٍ شبه تام لخطط عملية لتوزيع أفلامٍ عربية في دول عربية، بدلاً من الاكتفاء بمهرجانات وصالات تجارية غربيّة فقط.

هذا يطرح سؤالاً: منذ متى تغيب أفلامٌ مغاربيّة عن البرمجة الأسبوعية التجارية في الصالات اللبنانية والمصرية مثلاً؟ يُمكن تغيير "جنسية" الأفلام وصالات العرض، لاكتشاف الغياب الكبير في برمجة العروض، في مقابل حضور مقبول، إلى حدّ ما، لأفلامٍ عربية في دورات سنوية لمهرجانات تُقام في مدنٍ عربية. هذا غير كافٍ، فاختيارها مبنيّ، غالباً، على ثنائية العلاقات (القائمة بين لجان الاختيار في المهرجانات ومنتجين/منتجات ومخرجين/مخرجات) والجانب الفني ـ الجمالي (المنبثق، أحياناً، من تفسيرات خاصة بمن يختار هذا الفيلم أو ذاك).

 

 

كلّ جائزة ممنوحة لفيلمٍ، من مهرجان دولي (فئة أولى أو ثانية مثلاً) وجهات سينمائية (أوسكار، بافتا، سيزار، وغيرها)، تمنحه دافعاً إضافياً لترويج تجاري، إذْ يتمّ اختياره للتوزيع في دول وصالات، يختلف عددها بين فيلمٍ وآخر، بحسب نظرة الموزّع/الموزّعة، التي (النظرة) تعتمد قراءات غير متطابقة مع أي قراءات أخرى، في النقد والإنتاج والمُشاهدة الجماهيرية. يندرج "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي في السياق نفسه. جائزة كهذه تحرّض على توزيعٍ أكبر وأشمل للفيلم، باستثناء أفلامٍ عربية قليلة للغاية، غير حاصلةٍ على أي توزيع عربي في الصالات العربية، علماً أنّها غير فائزة بالجائزة أصلاً.

عدد الترشيحات الرسمية لأفلامٍ عربية في هذه الفئة قليلٌ، ورغم هذا يندر أنْ يُعرض فيلمٌ منها، أو كلّها، في صالات عربية خارج البلد، الذي يُفترض بالفيلم أنْ "يُمثِّله" في "أوسكارات" هوليوود. الترشيح الرسمي، بحدّ ذاته، مكسب للفيلم، بالنسبة إلى جهات الإنتاج والتوزيع. وسم الملصق بـ"ترشيح رسمي للأوسكار"، الذي يُشبه "الاختيار الرسمي" في مهرجان "كانّ" مثلاً، أو "المسابقة الرسمية" (أو أي مسابقة/برنامج/قسم آخر) في "لاموسترا" (إيطاليا) و"برليناله" (ألمانيا)، كفيلٌ بترويجٍ تجاري إضافيّ مطلوب. هذا كلّه غير واردٍ في خطط التوزيع العربي، إنْ تكن هناك خطط متكاملة، لا مجرّد توزيع يرتكز على حسابات شخصية بحتة، وهذا مقبول، فالتوزيع كالإنتاج يحتاجان إلى أموال وأرباح. هذه الحاجة تحول، غالباً، دون توزيع "عادل" في صالات عربية لأفلامٍ عربية تستحقّ المُشاهدة في بلدانٍ عربية، بدل انتظار مهرجان أو احتفال أو نشاطٍ، أو عرضٍ على شاشة تلفزيونية أو منصّة أجنبية.

غياب توزيع أفلامٍ عربية في صالات عربية غير متأتٍ، فقط، من تفشّي وباء كورونا، والانهيار/الخلل في الاقتصاد والاجتماع وأنماط العيش، التي يعتادها عالمٌ عربيّ مليء بحدودٍ داخلية كثيرة. هذا سابقٌ على تلك الأعوام الـ3 الماضية. كلُّ سببٍ يُبرِّر غياباً كهذا غير منطقي وغير مقبول: مسألة اللهجات العربية، التي يراها البعض سبباً كافياً لعدم عرض فيلم مغربيّ في صالة خليجية، أو فيلمٍ لبناني في صالة تونسية، تُحَلّ بترجمة عربية كتلك التي تُبثّ مع أفلامٍ أجنبية (الترجمة إلى العربية لأفلامٍ ومسلسلات تحتاج إلى قراءة نقدية مستقلّة، لما فيها من "كوارث" لغوية واجتماعية وثقافية). القول إنّ الأفلام العربية تفتقد جمهوراً عربياً غير صحيح كلّياً، وإنْ يكن فيه شيءٌ من الصحّة، لأنّ الجمهور العربي غير مُعتاد على أفلامٍ عربية غير مصرية. الرقابة سببٌ قاتلٌ لكلّ فيلمٍ (واشتغالات أخرى)، خاصة تلك الذاتية منها. لكنْ، هناك دائماً أفلامٌ قابلة للعروض التجارية، وهذه خطوة مطلوبة. لا ميزانيات تُرصَد للتوزيع؟ هناك جهات يُمكنها تمويله، كما أنّ جزءاً من الإنتاج يُصرف في التوزيع، ومعظم الأفلام تحصل على إنتاجٍ غربيّ، يهتمّ بتوزيع أفلامه في صالات مختلفة.

"أزرق القفطان"، بتخطّيه المرحلة الأولى من التصفيات الخاصة بـ"أوسكار 2023" أو بعدم تخطّيه إياها، يُفترض به أنْ يُنبِّه، فعلياً ومجدّداً، إلى أهمية إيجاد خطط عملية لتوزيع أفلامٍ عربية في صالات عربية.

هذا مهمّ وضروري ومطلوب.

المساهمون