"كيف أثّر المهاجرون في المجتمع الفرنسي؟ وكيف طبعوه؟". عن هذا السؤال يجيب متحف الهجرة في باريس الذي يعاود استقبال الزوار اعتباراً من الثلاثاء بعد إقفال أبوابه لثلاث سنوات، أجريت خلالها تعديلات على تصميمه بحيث يكون محوره "التاريخ المشترك".
وسعياً إلى إبراز التغلغل التدريجي للهجرة في كل مجالات المجتمع، بات المعرض الدائم يتبع تسلسلاً زمنياً يستند إلى إحدى عشرة محطة زمنية رئيسية تمتد من العام 1685 إلى اليوم.
وتشرح المديرة العامة لقصر لا بورت دوريه الذي يضم المتحف الوطني لتاريخ الهجرة، كونستانس ريفيير، أنّ "الهجرة جزء لا يتجزأ من تاريخ فرنسا، من تاريخ مشترك. في كل من هذه التواريخ، نعرض وضع الأجانب وطريقة مساهمتهم في صنع تاريخ فرنسا".
وما يبرّر هذه المقاربة، بحسب ريفيير، هو أنّ "واحداً من كل ثلاثة فرنسيين حالياً هو مهاجر، أو ابن مهاجر أو حفيد مهاجر".
وتلاحظ المؤرخة وإحدى المنسقات العلميات للمتحف، ماريان أمار، أنّ إدارته حرصت على أن تعرض "هذا التاريخ بكل تعقيداته"، أي تاريخ "الأشخاص الموجودين هنا أصلاً"، وهم الفرنسيون، و"أولئك الذين يأتون" وهم المهاجرون، وتضيف أن الهدف "نسج هاتين القصتين معاً"، بحيث لا تحصلان "بالتوازي" بل "معاً".
ويُبرز المتحف واقع الهجرة اليوم بوجهيه، فهو من جهة القارب المُحمّل بحِزَم من الأقمشة الأفريقية، كما يعبّر عنها عمل للفنان الكاميروني بارتيليمي توغو، حيث يجسد الأخطار التي تواجهها قوارب المهاجرين خلال عبورها البحر الأبيض المتوسط، وهو من جهة أخرى صور أطباء وممرضين أجانب في المستشفيات الفرنسية خلال جائحة كوفيد.
وتمتد الجولة في المعرض على مسار يبلغ 1800 متر، وجدّد المتحف 80 في المائة من الأعمال منذ إغلاقه في ديسمبر/ كانون الأول 2020.
ويشكّل العام 1685 المحطة الأولى في زيارة المتحف، وهو عام "القانون الأسود"، رمز الحقبة الاستعمارية، ولكن أيضاً عام إلغاء مرسوم "نانت" ولجوء "الهوغونوتيين". وتشرح أمار أنه تاريخ "استفزازي متعمد" لأن المتحف "ليس كتاباً مدرسياً". والتاريخ يظهر، بحسب أمار، أن "فرنسا ليست بلد اغتراب فحسب، بل بلد هجرة أيضاً" على ما تقول.
ويمر الزائر عبر مختلف الحقبات واضطرابات تاريخية مثيرة للجدل، للإجابة عن سؤال لخصته الأمينة التنفيذية للمعرض إميلي غاندون "كيف نصبح فرنسيين مع مرور الوقت؟".
عام 1848، شهدت فرنسا وصول منفيين بولنديين بينما أطلق عريضة، وهي معروضة في المتحف، "لاجئون إيطاليون وإسبان ضد الإقامة الجبرية في المقاطعات".
أجري وقتها التعداد الأول للأجانب وكانوا يشكلون واحداً في المائة من السكان، فيما أصبحوا اليوم 10 في المائة، وفقاً للتقديرات الرسمية. وفي منتصف القرن التاسع عشر، اعتُبر الأشخاص الآتون إلى باريس من كيمبيه (في بريتانيه، غرب فرنسا) أو من كاربينتراس (جنوب شرق) لاجئين في الأعمال الفنية.
وفي قسم سنة 1995، وهو العام الذي أنشئت فيه منطقة "شنغن" الأوروبية، يطلع الزائر على سلسلة من الصور التي التقطها توماس مايلاندر، والتي تمثل سيارات العائلات المهاجرة التي كانت تذهب صيفاً إلى دول المغرب العربي، بسطوح تتكدس عليها قطع الأثاث والأجهزة المنزلية.
وإضافة إلى التسلسل الزمني، يطلع الزائر على أعمال لفناني اليوم عن الهجرة، بينها صور مخيمات في باريس جنباً إلى جنب مع صور الأوكرانيين الذين استقبلوا بالترحاب. كذلك، يعرض المتحف بعض البيانات الديمغرافية التي تتضمنها أحدث الدراسات.
وتقول مديرة القصر كونستانس ريفيير: "قناعتنا أن الأفكار المسبقة هي شكل من أشكال الجهل"، والمتحف الذي يُفتتح الثلاثاء رسمياً، سيبدأ باستقبال الجمهور اعتباراً من 17 يونيو/ حزيران الحالي.
(فرانس برس)