وثائقي "لا وطن للنساء" يفضح آلام الأفغانيات في بلدهنّ

09 ابريل 2023
راميتا نافي: بحث استقصائي توثيقي في واقع المرأة الأفغانية (الملف الصحافي)
+ الخط -

تدّعي حركة طالبان أنّها تصون حقوق المرأة الأفغانية، وأنّها ـ كما تعهّدت للعالم بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان ـ ماضية في منحها كامل حريتها، وإتاحة الفرص المناسبة لها، لتأدية دورها المنتظر في المجتمع "الجديد"، مجتمع "طالبان".
للتحقّق من صدق التزامها بعهودها أمام العالم، يُكلِّف المخرج كريم شاه الصحافية البريطانية، الإيرانية الأصل، راميتا نافي، بالذهاب إلى هناك، لمعاينة الواقع الذي تعيشه المرأة الأفغانية، في ظلّ النظام الجديد. عند وصولها إلى كابول، كان مضى على تسلم "طالبان" السلطة أكثر من عام، وردت فيه أخبارٌ عن منع الحركة تعليم الفتيات في المدارس العامة، وتشدّدها في تطبيق الأحكام الخاصة بالمرأة، وإصدار عقوبات بحقّ كلّ من يخالفها، يُحدّد نوعها (العقوبات) ومستوى شدّتها "قضاة" السلطة، لا محاكمها.
التحرّي الميداني، بعيداً عن أنظار السلطة، يؤكّد أخباراً كثيرة عن هذا كلّه، والتوثيق بكاميرات خفيّة يوصل حقائق مخيفة إلى العالم، يريد رجال "طالبان" التعتيم عليها. دخولها إلى بيوت عائلات أفغانية، أخبرها أفرادها عن اختفاء بناتٍ لهم عن الأنظار، ونقلهنّ إلى جهات مجهولة، يدفع الصحافية إلى التحقّق من صحّتها. ملاحقة قصة اختفاء الشابة مريم، من إقليم هيرات (غرب أفغانستان)، يوصلها إلى حقيقة وجود نساء كثيرات غيرها في سجون الإقليم، سُجِنّ من دون محاكمات، وغالباً بتهمة "ارتكاب الفاحشة".
ترتّب زيارة إلى السجن بالتنسيق مع مسؤوليه، وبكاميرتها الخفيّة، تنقل أحاديث خاطفة أجرتها همساً مع سجينات. تأكّدت، في زيارتها، من وجود مريم بينهنّ. تحدّثت إليها بلغة إنكليزية، رغم منع حرّاس السجن لها بالكلام مع الزائرة البريطانية. جريمة الشابة أنّ صديقاتها كنّ في سيارة أجرة من دون وجود محرِم. ألقى مسلحو "طالبان" القبض عليهنّ عند حاجز. اتصلن بها طلباً للمساعدة، وعند وصولها إلى مركز الشرطة، قُبض عليها أيضاً، بالتهمة نفسها. تعرّضت في الاستجواب للتعذيب بـ"المسدس الكهربائي"، كبقية صديقاتها، ثم نُقلت إلى السجن من دون محاكمة.


تنقّلات راميتا نافي بين البيوت والأقاليم تنقل صورة أخرى، تريد "طالبان" التسترّ عليها، ومنع عرضها. تُقابلها معاندة شجاعة، بطلاتها نساء ينشطن في شبكات دعم النساء الهاربات من جور مسلّحي "طالبان"، وسلطتهم المنفلتة. في أطراف كابول، ترافق نافي مجموعة من نساء الشبكة السرّية، خرجن لاستقبال عائلة عائشة، الهاربة من مطاردة المسلّحين لها. لم تجد الصحافية السابقة في إذاعة محلية مفراً منهم سوى بالاختفاء، والرحيل عن المدينة التي كانت تعمل فيها قبل تسلمهم الحكم. أخبرتها عن تعذيب المسلّحين لأخيها، لرفضه الكشف عن مكان اختفائها.
إبعاد النساء عن مواقع العمل يتوافق، كلّياً، مع المنهج الجديد لـ"طالبان". مقابلاتها لعدد غير قليل من الموظّفات السابقات في مؤسّسات حكومية، مُنعن من دخولها والعمل فيها بعد سقوط كابول وخروج الأميركيين، تؤكّد صحّة ما سمعته في المكان السرّي من قصص، تعزّز توجّهاً سارياً إلى تحجيم دور المرأة في المجتمع، وحصر وجودها في المنزل.
نهجٌ جعل من الأفغانيات نهباً للمقاتلين القادمين من الجبال. في ولاية "باداخشتان" البعيدة (أقصى الشمال الأفغاني)، ترصد كاميرات فريق عمل القناة البريطانية "آي تي في" ظاهرة اجتماعية جديدة، تتمثّل في خطف المسلّحين للفتيات، حتّى الصغيرات في السنّ، وإجبارهنّ على الزواج بهم. الكاميرا الخفية تنقل مشهداً يجري في حديقة عامة، يظهر فيه مسلّحون وهم يعذّبون رجلاً، لرفضه تزويج ابنته بالإكراه. العيش في بيت الزوجية، بعد زواج قسري، يفضي غالباً إلى انتحار النساء. تدخل الصحافية إلى قسم الحروق في مشفى "هيرات"، وتنقل من هناك مشهداً مؤلماً لنساءٍ أشعلن النار في أجسادهنّ، رغبة في وضع حدّ لحياة لا طاقة لهنّ على تحمّل عذاباتها.

يكشف التحقيق عن تزوير مُتعمّد في سجلّات النساء، المتوفّيات بسبب الحروق، لمنع العالم من معرفة حقيقة ما تعانيه المرأة الأفغانية في العهد الجديد. صورة المرأة في المشهد الأفغاني المنقول قاتمة. تبريرات قادة البلد لسلوكهم، في المقابلات التي أجرتها راميتا نافي معهم، تُعزّز قناعة حاصلة، بأنْ لا أمل يُرتجى منهم. مع ذلك، لا تزال أفغانيات عديدات يواصلن الاحتجاج، ويعملن من أجل ترسيخ وجود المرأة في المجتمع.

ينقل الوثائقي مقاطع من احتفال خطابي، نظّمته سرّاً ناشطاتٍ عديدات بمناسبة "يوم المرأة العالمي". في مقابل ذلك، يثبت خبر هروب نساء كثيرات، مشاركات فيه، إلى خارج الحدود، تأكيد صانعه على دقّة العنوان الذي اختاره لتحقيقه الاستقصائي: "أفغانستان: لا وطن للنساء" (التلفزيون السويدي SVT).

المساهمون