وزيرة إعلام إسرائيل... إتقان تسجيل الأهداف الذاتية

15 سبتمبر 2023
تركز على مهاجمة معارضي خطة التعديلات القضائية (ماتان غولان/Getty)
+ الخط -

 

للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود، ضمت التشكيلة الوزارية الحالية في الكيان الإسرائيلي وزارة للإعلام، وأناط رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالوزارة مهمة الدفاع عن مواقف إسرائيل في الساحة الدولية.

استحدث الاحتلال الإسرائيلي وزارة للإعلام لأول مرة عام 1974، بهدف تحسين صورته، في أعقاب الفشل الذي مني به في حرب عام 1973، وتولى شمعون بيريز (1923 - 2016) المنصب لعدة أسابيع حتى سقطت الحكومة. تلا بيريز في هذا المنصب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق أهرون ياريف، وذلك لمدة عام، ثم استقال بعد أن اكتشف أنه لم يكن ممكناً لوزير احتكار مهمة التحدث باسم إسرائيل وشرح مواقفها في الساحة الدولية.

ومنذ ذلك الحين، لم تضم حكومة إسرائيلية وزارة إعلام، إذ تشاركت مؤسسات وهيئات مهمة شرح مواقف الاحتلال في الخارج.

وعلى الرغم من أن نتنياهو عزا استحداث الوزارة مجدداً لأغراض الدعاية وتسويق المواقف الإسرائيلية في الخارج، فإن اعتقاداً يسود في تل أبيب بأن هذه الخطوة مردها حسابات سياسية داخلية فقط. فنتنياهو معني بتأمين احتكاره قيادة حزب الليكود، مما جعله يعكف على تعيين نخب حزبية ليكودية من مقربيه في مواقع وزارية. وهذا الذي يفسر تعيينه غاليت ديستل أتباريان في منصب وزيرة الإعلام، على الرغم من الانتقادات التي كانت توجهها وسائل الإعلام لطابع الخطاب السياسي الفظ التي تتبناه.

وحسب صحيفة يديعوت أحرنوت، فإن تعيين ديستل أتباريان في المنصب جاء بمثابة "جائزة ترضية في إطار جهود نتنياهو لضمان الولاء الشخصي له داخل الليكود". وبعد عدة أشهر على استحداث الوزارة وشروعها في العمل، فإن ديستل أتباريان "لم تخيب توقعات" وسائل الإعلام الإسرائيلية، فبدلاً من تركيز جهود الوزارة على محاولة دفع الرواية الإسرائيلية قدماً في العالم، فإنها تركز على السجالات الداخلية ومهاجمة معارضي خطة التعديلات القضائية بفجاجة.

هاجمت ديستل أتباريان المشاركين في التظاهرات ضد خطة التعديلات القضائية، فقالت: "ماذا يمكن فعله مع المتظاهرين الذين يغلقون الطرق؟ لدي نصيحة: علينا الرمي بهم في مجموعات في نهر أيلون (نهر المصرارة الذي يخترق تل أبيب ويصب في المتوسط) مقيدين في سلاسل في حين يتم توجيه اللكمات لهم أو ضربهم بالعصي... وبعد ذلك ننتظر الأحمق الذي سيعاود قطع الطرق".

واستفزت قطاعات واسعة من الجمهور عندما هاجمت طياري سلاح الجو الذين أعلنوا توقفهم عن أداء الخدمة العسكرية احتجاجاً على التعديلات القضائية، إذ قالت: "هؤلاء ليسوا وطنيين، وليسوا ملح الأرض، وليسوا صهاينة، وليسوا من خيرة شبابنا، وليسوا أناساً رائعين، وليسوا من شعب إسرائيل...".

وعن قضاة المحكمة العليا، قالت: "مجموعة صغيرة من الناس لم ينتخبهم أحد عبر صناديق الاقتراع يناقشون ما إذا كان يمكن إلغاء نتائج الانتخابات... إن كانت لديكم مشكلة مع المبدأ فأنتم أعداء الديمقراطية".

ودعت إلى سحب تراخيص العمل من الأطباء الذين يشاركون في التظاهرات ضد التعديلات القضائية.

من جهة ثانية، نعتت الكاتبة رفائيلا كويكمان ديستل أتباريان بـ"وزيرة الدعاية التي توظف صلاحياتها ضد مواطني إسرائيل". وفي مقال نشرته صحيفة ذا ماركر، أشارت كويكمان إلى أن "ديستل أتباريان التي عينت في هذه الوزارة المستحدثة من أجل شرح مواقف إسرائيل في العالم باتت تقود حملات دعائية على الصعيد الداخلي ضد الإسرائيليين من رافضي خطة التعديلات القضائية".

المعلق السياسي في صحيفة هآرتس، حاييم فلنسون، دلل على فشل ديستل أتباريان في أداء مهامها، لافتاً إلى أن الاجتماع الوحيد الذي عقدته مع شخصية أجنبية كان مع سفير نيجيريا في تل أبيب، والذي احتفت به كثيراً على حسابها في "تويتر".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما الكاتبة يعونا جونين فقد وصفت ديستل أتباريان بـ"فضيحة الدعاية" الإسرائيلية التي لم تفشل فقط في مهمتها، بل لم تتردد في تحميل طاقم الوزارة الفشل في تحقيق المهمة المستحيلة. وفي مقال نشرته "هآرتس"، أشارت جونين إلى أن ديستل أتباريان "عاقبت فريق وزارتها، ليس لأنه لم يدافعوا عن الرواية الإسرائيلية في الخارج، بل لأنه تحديداً لم يتمكن من إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن سياسات نتنياهو على الصعيد الداخلي إيجابية".

واستشهدت جونين بما كشفته الإذاعة العبرية الرسمية حول أنماط تعاطي ديستل أتباريان مع وكيلة وزارتها السابقة جالي سمبيرا، التي أقالتها بعد تحميلها المسؤولة عن الفشل في أداء الوزارة المهام المناطة بها. وحسب جونين، فإن ديستل أتباريان "لا تتردد في توجيه الإهانات لأعضاء فريق الوزارة لإحباطها من حجم الفشل الذي انتهت إليه الوزارة". ونوهت إلى أن الوزيرة صرخت في وجه طاقم الوزارة قائلة: "أنتم سيئون، أنتم لا تتقنون أي شيء، بسببكم أنا أبدو كنكتة".

وقالت جونين إن "الملايين التي أنفقت على الوزارة المستحدثة لم تكن من دون فائدة فقط، بل إنها جلبت الضرر لمصالح إسرائيل". وأبرزت أن "أسلوب ديستل أتباريان الفظ لم يسلم منه حتى زملائها في الحكومة، حيث صرخت في وجه زميلتها الليكودية وزيرة الاستخبارات غيلا غمليئيل: اغربي عن وجهي أيتها المتخلفة".

وأضافت جونين أن مهمة وزير إعلام كان محكوما عليها بالفشل بغض النظر عن هوية من يشغل المنصب وكفاءته، وقالت: "أبرع وزراء الإعلام وأكثرهم دراية بالدعاية ليس بوسعه أن يقنع الجمهور أن الماء المغلي الذي تصبه الحكومة على رؤوسهم هو مطر".

من ناحيته، رأى الكاتب باروخ لشيم أنه على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تصور ديستل أتباريان كـ"قصة تثير الفكاهة"، فإن الجمهور الداخلي والعالم يرى فيها "ممثلة رسمية لحكومة شرعية، مما حول الوزيرة إلى مشكلة للدعاية".

وفي مقال نشره في صحيفة يديعوت أحرنوت، خلص لشيم إلى أن استحداث وزارة للإعلام لم ينجح في تعزيز الرواية الإسرائيلية. وقال: "بغض النظر عن هوية الشخص الذي يتولى مهام وزارة الإعلام، فإنه ليس بوسعه أن ينجح في تحسين صورة إسرائيل، فليس من الممكن أن تحول الضفدع الإسرائيلي إلى أمير".

وأوضح أن استحداث وزارة إعلام يصلح للنظم الديكتاتورية، لافتاً إلى أنه ليس بوسع وزارة الإعلام أن تملي على الصحافيين المحليين والأجانب رواية ما عبر فرض نظام رقابة. وعدّ لشيم أن تعيين ديستل أتباريان وزيرة دليلاً على "الخفة التي يعين بها نتنياهو الأشخاص غير المؤهلين لشغل المناصب المختلفة".

المساهمون