Ancient Apocalypse... تاريخ البشرية بنسخة للهواة

15 ديسمبر 2022
يستند هانكوك إلى الحكايات القديمة والأساطير (سانثا هانكوك)
+ الخط -

لا يتردد البريطاني غراهام هانكوك في الحديث عن صفحة ويكيبيديا الخاصة به، تلك التي يوصف فيها بأنه يروج "للعلم الزائف"، وبأنه عالم أحفوريات من دون أي شهادة علمية تمت لهذا الاختصاص بصلة، لأن نظرياته عن الكائنات الفضائية والمدن المنسية والعمالقة محط سخرية المجتمع العلميّ والعامة على حد سواء، عدا فئة استقطبها منذ أن بدأ نشر كتابه في التسعينيات، والمشاركة في الوثائقيات المتعددة التي نالت شهرة ساخرة.

عاد هانكوك إلى الضوء بعدما استضافه جو روغان في برنامج بودكاست الخاص به عام 2016 وعام 2019. وبالطبع جو روغان يذهل دوماً من كل ما يسمعه من ضيوفه. صحيح أنه يحاورهم ويشكك بكلامهم، لكن بعضهم يمتلك حكايات لافتة تأسره.

ونتيجة لهذا، بثت "نتفليكس" أخيراً مسلسلاً وثائقياً عنوانه Ancient Apocalypse، يتتبع فيها فريق تصوير رحلات هانكوك للبحث عن المدن المفقودة، والعمالقة، والحضارات التي أهملها التاريخ الرسمي، كأطلانطيس التي غمرها البحر.

يتنقل هاكوك بين قارات العالم. يزور المكسيك بحثاً عن هرم مدفون، يغوص في البحر في مالطا ليتلمس أحجاراً تدل على حضارة قديمة، ويهبط جنوب تركيا في مناطق النزاع بحثاً عن بقايا ألواح تشير إلى مواقع النجوم. كل هذا من دون أن يرف له جفن، إذ يرى نفسه كما لو أنه صحافي يطرح تساؤلات علميّة، لكنه في الوقت نفسه عدو المؤسسة الرسميّة والأكاديمية التي يرى أنها تتحرك ضمن إطار ونموذج يدّعي تفسير تاريخ العالم القديم، من دون الإشارة إلى التناقضات وما لا يمكن تفسيره، كالعلوم والتكنولوجيا التي ليس من المفترض أن تكون موجودة في ذاك الزمن، أي قبل آلاف السنين.

لكن أي زمن هذا الذي يتحدث عنه هانكوك؟ ببساطة يفترض أن العصر الجليدي سبقته حضارات متطورة، يمكن تلمس آثارها في الخرائط القديمة التي يستعرضها أمامنا، ليشير إلى جزر وجبال غمرت منذ زمن. جزر مشى عليها العمالقة على سبيل المثال، وبنوا السدود. ما مصدر هذه المعارف؟ الحكايات القديمة، والأساطير، وبعض ما تسرب إلى الأديان. يحاول هانكوك قراءة تاريخ الحكايات بوصفها مجازات عن أحداث واقعية، الأمر الذي عادة ما يقتصر على الدراسات الأدبية والدينية، ولا يدخل ضمن العلوم التي تبحث عن دليل مادي.

يشابه المسلسل قراءة كتاب "الفطر المقدس والصليب" (1970)، أو كتاب "فاكهة الآلهة" (2019). وفي كليهما تتحول اللغة إلى مساحة للبحث عن "حقيقة" أخفتها الأديان الرسميّة والآثار الأركيولوجيّة. وهذا بالضبط الممتع في هذا النوع من المنتجات الثقافية والجهود البحثية الفرديّة. هي تخاطب مخيلتنا وأفكارنا بشأن حقائق خفية، وأساطير يرفض العلم تصديقها، لكن يمكن تداولها بيننا لما تحمله من أمل للبشريّة، وهذا ما يكسب هانكوك جاذبية، إذ يسافر بنفسه ويبحث ويستكشف. هو أشبه بإنديانا جونز لكن بنسخة أقل فانتازيّة، وأكثر "علميّة".

تعرض المسلسل للكثير من الانتقادات، ووصفته "ذا غارديان" بـ"أخطر مسلسل على نتفليكس". كما أن المؤسسة العلمية حافظت على موقفها من هانكوك، فكل ما قدمه من "أدلة" لم يصمد أمام سنوات البحث العلمي وسلطة الأكاديميات. هو يهدد سلطتها وحكايات ومكانة المختصين، بل إن العديد من علماء الآثار والأركيولوجيا طالبو "نتفليكس" في رسالة مفتوحة بتصنيف المسلسل كـ"متخيّل"، وليس كوثائقي.

الأهم هو اتهام المسلسل بالعنصرية وبأنه يروج للتفوق الأبيض. ويمكن فهم هذه التهمة في ظل تصاعد اليمين الذي كانت واحدة من تجليات حماقاته وعلومه الزائفة نظرية الأرض المسطحة، تلك التي تروج لـDYI العلمي، أي لا حاجة للمخابر والمختصين، تكفي الملاحظة الفردية والتشكيك بالبديهيات والبحث العشوائي لمواجهة الحقائق العلميّة.

ناهيك عن أن هانكوك أخفى هويات بعض من قابلهم، بمعنى عدم الحديث عن تاريخهم، كماركو فيغاتو الذي يظهر في الحلقة الثانية، والمعروف بأنه ألف كتاباً عن أطلانطيس مليء بالعنصريّة والمغالطات التاريخيّة، التي يعاد إنتاجها في المسلسل بصورة تبدو لطيفة، لكنها تحيل إلى مقاربات لا يمكن اعتبارها علميّة، بل فقط هوياتية وعنصريّة، جاءت من أوهام فرديّة.

المساهمون