عقارات تونس تنتعش رغم الأزمة

26 يوليو 2015
انتعاش العقارات يخدم الاستثمارات في تونس (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من الأزمة الاقتصادية، التي مرت بها تونس عقب ثورة 2011، ظل القطاع العقاري على امتداد السنوات الأربع الأخيرة، من أكثر القطاعات انتعاشا، الأمر الذي أرجعه خبراء ومتابعون للسوق إلى أن هذا القطاع يعد الأكثر أمانا في ظل حالة عدم الاستقرار الذي شهدته البلاد.

وتفيد الإحصائيات الرسمية لوزارة التجهيز والإسكان التونسية، أن القطاع ساهم بنسبة 12.6% من القيمة المضافة للاقتصاد التونسي، ما جعله في المرتبة الأولى في هذا الإطار خلال السنوات الأخيرة.

وجعلت الأسعار المتزايدة للعقارات في تونس، هذا القطاع من المجالات الأكثر جذبا للاستثمارات بعد الثورة، وملاذا آمنا لرؤوس الأموال في ظل عدم الاستقرار السياسي والأمني.

 وشهدت السنوات الأربع الأخيرة إقبالا كبيراً على المضاربة في عقارات الضاحية الشمالية للعاصمة الواقعة المطلة على البحر.

ويحتل الليبيون المرتبة الأولى في طلبات امتلاك العقارات والاستقرار في تونس، ويأتي بعدهم الجزائريون ثم يأتي الفرنسيون في مرتبة ثالثة إلى جانب احتلال بعض الشركات السعودية المهتمة بسوق العقارات التونسية، وذلك بعد أن سهلت الحكومة التونسية إجراءات تمليك الأجانب بتقليص آجال الحصول على رخصة التمليك.

ويرى متابعون لسوق العقارات التونسية، أن الإقبال الهائل على استثمار المال في هذه النوعية من الأنشطة الاقتصادية، يصنف ضمن الاستثمار الآمن، الذي لا تتهدده كثيراً المخاطر، مقارنة بأنشطة أخرى تأثرت بالأحداث التي تلت الثورة.

ويؤكد رئيس الغرفة الوطنية للباعثين (المستثمرين) العقاريين، فهمي شعبان، أن السماح للأجانب بحق التملك في تونس أمر إيجابي، مشيرا إلى أن شرط الحصول على رخصة المحافظ التى يفرضها القانون سابقا، أعاقت بدرجة كبرى تسويق الفائض العقاري، خاصة من شقق الأحياء الراقية على غرار الضاحية الشمالية للعاصمة، باعتبار أن هذا الصنف من العقارات موجه إلى نوعية معينة من ذوي القدرة الشرائية المرتفعة.

وأضاف شعبان في تصريح لـ "العربي الجديد"، أنه على خلاف ما يعتقده البعض فإن اختصار آجال إسناد رخصة المحافظ أو إلغاءها كليا لن يؤثر على أسعار العقارات الموجهة إلى الطبقات المتوسطة، بل سيمكن الاقتصاد من الاستفادة من انتعاشة القطاع العقاري، الذي لم يتأثر بالأزمة الاقتصادية، التي مرت بها البلاد، بل كان رافدا من الروافد المهمة من حيث المردود المالي أو القدرة التشغيلية.

وأشار إلى أن رفع الموانع القانونية لتمليك الأجانب، سيساهم أيضا بشكل كبير في دفع القطاع السياحي، ولا سيما سياحة الإقامات التي تنشط في فترات الركود السياحي.

ولفت إلى أن المغرب على سبيل المثال استفادت من هذه السياحة بشكل كبير، وذلك بتمكين الأجانب الذين يقتنون عقارات فيها من الإقامة، مضيفا أن ذلك إجراء معمول به في العديد من الدول المتقدمة.

لكن الطفرة في القطاع العقاري لم تنعكس إيجابا على التونسيين الباحثين عن مسكن، على امتداد السنوات الأربع الأخيرة، حيث شهدت الأسعار ارتفاعا غير مسبوق، قدرته جهات رسمية بأكثر من 30%.

اقرأ أيضاً: تونس تتطلع إلى جذب الاستثمارات الأميركية

وفي ما يتعلّق بارتفاع وتيرة تمليك الليبيين بعد الثورة واستقرار قرابة المليون ليبي في تونس وتأثيره على ارتفاع الأسعار، قال رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين، إن ارتفاع أسعار العقارات يعود بالأساس إلى ارتفاع كلفة البناء وتضاعف أسعار العديد من المواد الأولية وتراجع سعر صرف العملة المحلية وتأثير ذلك على كلفة المواد المستوردة، ولا دخل لتمليك الأجانب بارتفاع أسعار العقارات.

لكن في ظل هذه الموجة من الإقبال على الاستثمار العقاري، تعالت التحذيرات من ارتفاع معدلات المضاربة في الأسعار التي تلحق بأصحاب الدخول المتوسطة الباحثين عن مسكن ملائم في تونس.

واعتبر سليم سعد الله، نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك (منظمة غير حكومية)، أن ارتفاع الأسعار يعود في جانب منه إلى تزايد عدد المضاربين في القطاع العقاري، باعتبار أن الاستثمار في هذا القطاع، يعد الأكثر أماناً لأصحاب رؤوس الأموال ومؤسسات القرض وحتى الأشخاص العاديين في ظل مناخ سياسي وأمني متوتر.

ولم يخف سعد الله في تصريحه لـ "العربي الجديد" فرضية تبييض بعض الأطراف لأموالها في العقارات، خاصة مع دخول العديد من الوسطاء والمستثمرين للسوق ممن يعملون في التجارة الموازية والمهربين.

وأكد نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، أن دور الدولة يبقى مهما جدا في كبح جماح أسعار العقارات والمحافظة على الرصيد العقاري للأجيال القادمة والحد من تغيير صبغة الأراضي الفلاحية إلى أراض صالحة للبناء، وذلك حتى تسهل للطبقات المتوسطة إمكانية اقتناء مساكن في ظل "الهجمة" غير المسبوقة على سوق العقارات من قبل الأجانب.

وتشير الأرقام الرسمية لوزارة التجهيز والإسكان، إلى أن سعر المتر المربع من الأراضي في تونس بات يتراوح على وجه العموم، بين 1200 و3000 دينار تونسي (ما بين 800 و1500 دولار) .

وتختلف هذه الأسعار من محافظة إلى أخرى، ففي الأحياء السكنية الراقية بكل من المنزه والنصر وحدائق قرطاج ( الضواحي الشمالية للعاصمة)، يرتفع سعر المتر المربع من الأراضي إلى حدود 1900 دينار ( 1000 دولار)، ويصل إلى حدود 2500 دينار (1300 دولار) في المحافظات الساحلية.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نحو 23% من التونسيين، لا يملكون مساكن خاصة، وهم يتنافسون بجهد كبير مع العائلات الأجنبية ويعيشون على الإيجار، وهذا على الرغم من وجود ما لا يقل عن 426.2 ألف شقة شاغرة لا يستغلها أصحابها.

ويعول الكثير على القطاع العقاري، لدفع الاقتصاد التونسي إلى الصمود في ظل الظروف الحالية، خاصة بعد تعرض القطاع السياحي لضربات موجعة، بسبب العمليات الإرهابية التي استهدفت أماكن سياحية على مدار الأشهر الأخيرة.

وبالإضافة إلى توفيره لعدد كبير من مواطن الشغل وقدرته على استيعاب أعداد إضافية من اليد العاملة المختصة، يساهم القطاع العقاري بنسبة 14% من جملة الاستثمارات، وهو ما يعادل جميع الاستثمارات في القطاع الصناعي.

وكان وزير المالية التونسي سليم شاكر، قال في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إنه يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد التونسي إلى نحو 1% هذا العام، مقارنة مع 2.3% في 2014، ويأتي ذلك في ظل اضطرابات أمنية واسعة تشهدها البلاد خلال الفترة الأخيرة.


اقرأ أيضاً:
اقتصاد تونس يدفع فاتورة حرب ليبيا
تونس تواجه أزمتها الاقتصادية بملاحقة المتهربين ضريبياً
تراجع قيمة الدينار يهدّد الاقتصاد التونسي

المساهمون