دعوة المركزي الأميركي لشراء الذهب تحفيزا للاقتصاد

دعوة المركزي الأميركي لشراء الذهب تحفيزا للاقتصاد

24 ابريل 2016
الخطة ستؤثر سلباً على سعر صرف الدولار (Getty)
+ الخط -



دعا اقتصادي أميركي، مصرف الاحتياط الفدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي)، إلى شراء كميات ضخمة من الذهب عبر برنامج "تحفيز كمي" جديد لإنعاش الاقتصاد.

وقال الاقتصادي هارلي باسمان، الباحث في شركة بيمكو المالية، في ورقة بحثية، إن مثل هذا الإجراء إذا نفّذ، سيعمل على تحريك القوة الشرائية وزيادة معدل التضخم، وبالتالي إنعاش النمو الاقتصادي في أميركا.

يذكر أن التحفيز الكمي الذي نفذه مجلس الاحتياط الفيدرالي للخروج من الكساد في أعقاب أزمة المال التي ضربت أميركا في العام 2008، عمل على شراء السندات الفاسدة في البنوك.

ونجح البرنامج في إنقاذ البنوك من الإفلاس ولكنه لم ينجح في إنعاش الاقتصاد الأميركي بالمستويات المطلوبة، لأن البنوك لم تستخدم هذه الأموال التي تدفقت عليها في منح القروض للشركات والأعمال التجارية في أميركا وإنما تاجرت بها في الخارج.

وحسب ورقة الاقتصادي باسمان، فإن مصرف الاحتياط الفيدرالي يجب أن يشتري من المواطنين في أميركا بسعر أعلى كثيراً من سعره الحالي مثلما فعل في أعقاب كارثة المال التي ضربت الولايات المتحدة في العام 1929.



وكان مصرف الاحتياط الفيدرالي قد أشترى الذهب من المواطنين في الثلاثينيات من القرن الماضي بسعر 35 دولاراً للأوقية (الأونصة)، فيما كان سعره 20 دولاراً للأوقية.

وقال باسمان إن خطوة الاحتياطي الفيدرالي ساهمت في دفع النمو الاقتصادي الأميركي، حيث نما الاقتصاد الأميركي بين يناير/ كانون الثاني العام 1934 وديسمبر/ كانون الأول العام 1936 بحوالى 48%.

كما أن مؤشر داو جونز الذي يقيس أداء سوق المال الأميركي ارتفع في هذه الفترة بنسبة 80%، وارتفع التضخم بنسبة 2.0% رغم أن معدل البطالة كان يحوم حول 18%.

واقترحت الورقة البحثية على مصرف الاحتياط الفيدرالي شراء الذهب بحوالى 5000 دولار للأوقية مباشرة من المواطنين في أميركا، مقارنة بسعره الحالي 1200 دولار. ويرى الاقتصادي الأميركي أن مثل هذه الخطة ستعمل على تحفيز المواطن الأميركي وزيادة معدل الاستهلاك.

وقال باسمان إن ميزة هذه الخطة أنها ستحفظ أموال التحفيز داخل أميركا وستشعر المواطنين بأنهم في وضع مالي أفضل حيث باعوا كميات الذهب التي لديهم بسعر أعلى كثيراً من سعر السوق، مشيراً إلى أن هذه العوامل ستبعث الثقة مجدداً في عمليات الاستهلاك وشراء الأسهم مقارنة بخطة التحفيز السابقة التي استغلتها البنوك لتحقيق أرباح لها بدلاً من إنعاش الاقتصاد.

وشدد على أن هذه الخطة ربما ستضعف قليلاً سعر صرف الدولار، ولكنها في النهاية ستحرك السياسات النقدية في أنحاء العالم نحو "المعيار الذهبي"، الذي كان سائداً في تحديد قيمة الدولار والعديد من العملات العالمية قبل فك ربط قيمة الدولار بالذهب.



وتوقع باسمان أن تتبع البنوك المركزية العالمية خطوات "التحفيز الذهبي"، مثلما فعلت في تبني سياسات "التحفيز الكمي" التي نفذها مصرف الاحتياط الفيدرالي خلال السنوات التي تلت أزمة المال.

وقال اقتصاديون إنه رغم أن الخطة تبدو بعيدة التحقيق إلا ان شراء الاحتياط الفيدرالي لكميات كبيرة من الذهب سترفع معدلات التضخم في أميركا وفي باقي الدول الصناعية الرئيسية.

ويتساءل اقتصاديون في أميركا بشأن ورقة الاقتصادي باسمان ويقولون لماذا شراء الذهب وليس النفط أو أية سلعة أخرى، ويجيب باسمان أن الذهب هو السلعة الوحيدة التي يقيّم بها النقد.

وقال إن سياسة "الفائدة السالبة"، حينما اقترحت قبل سنوات كان العديد من الخبراء يرون أنها "نظريات عبثية"، ولكنها في النهاية طبقت خلال العامين الماضيين. وتطبقها الآن ستة بنوك مركزية في أنحاء العالم، من بينها المركزي الأوروبي وبنك اليابان، واليابان ودول منطقة اليورو من أكبر الاقتصادات في العالم بعد أميركا والصين.

وحسب باسمان فإن العالم يعيش حالياً أزمة ديون وأن هذه الأزمة ستقود العالم إلى تضخم مريع أو تنتهي بالدول إلى عدم القدرة على تسديد التزاماتها المالية تجاه الدائنين.

ويلاحظ أن العالم ومنذ أزمة المال اتجه إلى نوعين من الحلول للتعامل مع ركود الاقتصاد، أحدهما هو التحفيز الكمي عبر شراء السندات الفاسدة في البنوك والشركات الكبرى، حتى تتمكن هذه البنوك والشركات من تحريك الاقتصادات العالمية عبر القروض والتوظيف والإنفاق في خطط التوسّع الإنتاجي.

أما الحل الثاني فهو ابتداع الفائدة السالبة التي تجبر البنوك على تحريك إيداعاتها من البنوك المركزية نحو الإقراض، حيث إن تركها في البنوك المركزية يعني أنها ستدفع عليها فوائد. حيث تعني الفائدة السالبة أن الدائن وليس المدين هو الذي يدفع فائدة. ولكن كلا الحلين فشلا، حتى الآن في حل أزمة الركود الاقتصادي وإنعاش الحركة الشرائية.



ويرى اقتصاديون أن هذه الحلول لم تفشل فقط ولكنها رفعت الديون السيادية بمعدلات كبيرة في الدول الصناعية، حيث تواصل هذه الدول الصرف على الإنفاق الحكومي عبر بيع السندات الحكومية.

وبلغت ديون أميركا 18 ترليون دولار، فيما بلغت ديون اليابان 11 ترليون دولار. ولكن في الآونة الأخيرة اتجهت عدة بنوك مركزية لتبني الفائدة السالبة، حتى تقلل من خدمة السندات التي أصدرتها، أي خدمة الدين العام، الذي بلغ في أميركا قرابة نصف ترليون دولار.

ويرى اقتصاديون أن المستثمرين سيتوقفون تدريجياً عن شراء السندات الحكومية بسبب قلة العائد عليها من جهة، وبسبب مخاطر عدم السداد من جهة أخرى.

وبالتالي تثار مخاوف من أن الفائدة السالبة ربما تقود تدريجياً إلى عزوف المستثمرين في أنحاء العالم عن شراء سندات الدين الحكومي، وتجد الحكومات نفسها في ورطة عدم وجود أموال كافية لمقابلة الإنفاق.

ومن هنا يأتي مقترح الاقتصادي باسمان بضرورة شراء الذهب أو التحفيز الذهبي مثلما فعل البنك المركزي الأميركي في إخراج أميركا من الكساد إلى الانتعاش في أزمة المال في نهاية عقد العشرينات من القرن الماضي.

ويذكر أن هنالك عدة بنوك تتجه حالياً لشراء الذهب من بينها المركزي الصيني والمركزي الروسي والمركزي التركي، ولكن لأسباب ربما تختلف عن الأسباب التي يدعو لها الاقتصادي باسمان، حيث تتجه الصين لشراء الذهب ضمن خطة نقدية للتخلي تدريجياً عن الدولار، لأنها تعمل على فك ارتباط عملتها (اليوان) بمعيار الدولار.

وقالت مصادر غربية، يوم الخميس الماضي، إن الصين تعكف على تنفيذ خطة لتقليل هيمنة الدولار على التجارة العالمية، والتمهيد لفك ارتباط عملتها (اليوان) بالدولار، عبر المتاجرة في الذهب باليوان من جهة، وزيادة احتياطاتها من الذهب من جهة أخرى.

وحسب محللين، فإن الصين ترغب في إنهاء سيطرة الدولار على تجارة ثلاث سلع رئيسية، وهي النفط والذهب والفضة.

وكان المستشار السابق للبنك المركزي الصيني يو يونغ دينغ والمعروف بانتقاداته القوية لسندات الخزينة الأميركية قد حذر من أن ديون الولايات المتحدة، التي تستثمر فيها الصين بكثافة، ستتعرض لسلسلة من المتاعب.

وبالتالي، فإن مقترح الاقتصادي باسمان ربما إذا طبق سيدعم سعر صرف الدولار الذي يتعرض لهجمات متواصلة من قبل الصين وروسيا وعدد من دول العالم.


المساهمون