انفاق حكومي كبير وغياب التنمية يزيدان معدل الفقربالسودان

01 يوليو 2017
الحياة البدائية في غرب السودان(Getty)
+ الخط -
يعاني قرابة نصف سكان السودان من الفقر المدقع، في وقت يرتفع فيه معدل التضخم وتتناقص الوظائف ويقل الدخل.
وبحسب آخر مسح للفقر في السودان أجري العام 2009 قبل انقسام السودانيين، كانت نسبة الفقر العامة في السودان 46.5%، منها 26.5% من سكان المدن و57.5% من سكان الريف.
وعملت الحكومة على محاربة الفقر في ظل غياب الاستراتيجيات الدقيقة، حيث سعت إلى تطبيق العديد من البرامج والسياسات المسنودة بتشريعات برلمانية، كان آخرها وثيقة الاستراتيجية المرحلية للتخفيف من حدة الفقر في السودان، ولكن هذه السياسات ظلت حبراً على ورق، حيث لم تدعمها خطوات عملية مثل إيجاد الوظائف وتنمية الثروات الحيوانية والزراعية وترشيد الاقتصاد الاكتفائي.

ويقول خبراء اقتصاد إن عدم توفر نسبة حقيقية وواضحة عن الفقر في السودان يشكل هاجساً كبيراً للجهات المختصة التي تسعى لدراسة الفقر وكيفية الإسهام في وضع أطر للمعالجة.
في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي، عبدالله الرمادي، لـ"العربي الجديد"، نظرياً يمكن إجراء مسح إحصائي لكافة أفراد المجتمع على مستوى دخل الفرد ومستوى دخل الأسرة وعليه تستطيع تقدير الحد الأدنى للفقر. ولكن إذا اتسعت دائرة الفقر لتشمل أعداداً كبيرة يمكن في هذا الحالة أن يتم تقسيم مستوى الفقر إلى درجات "مجموعة فقراء" من ضمنها الفقر المدقع وثم المجموعة التي تقع تحت الفقر، وهي الفئة التي لا تكاد تفي بالاحتياجات الضرورية للمعيشة. ويرى بإمكانية تصنيف المجتمع على هذا الأساس.

واعتبر اتساع دائرة الفقر في السودان أمراً مزعجاً حتى أصبحت طبقات وليست طبقة واحدة، ما يدعو إلى تلافي هذا الوضع بتحسين الأوضاع المعيشية عبر سياسات رشيدة وهذا ما تفتقر إليه البلاد رغم الإمكانيات الضخمة.
وأكد الرمادي أن التصنيف يحتاج إلى مهنية تعكس واقع الحال بتقديرات لا تراعي المسح الحقيقي فقط، بل لابد من ملاحظات تقديرية أيضاً للأشخاص دون خط الفقر قدرهم بأكثر من 70%، بسبب ارتفاع معدلات التضخم في الوقت الذى ظلت فيه الدخول ثابتة تتحرك ببطء شديد لا تجاري مستويات التضخم الكبيرة.
وقال الرمادي "كل ذلك مرده إلى السياسات النقدية والمالية الخاطئة التي أدت إلى إغلاق 80% من المصانع، حيث زادت هذه السياسة من نسبة البطالة وأدت إلى اتساع دائرة الفقر تراكمياً". كما أشار إلى أن سياسات وزارة المالية هي العمل على سد فجوة الموازنة، وفي نفس الوقت تصرف على الأعداد الكبيرة من التنفيذيين بالدولة ما يعتبر إنفاقاً حكومياً متزايداً ومترهلاً على حساب المواطن، كما رفعت الحكومة الدعم عن الوقود والغاز والقمح، ما أدى إلى غلاء فاحش جعل كثيراً من الأسر تصل إلى دون مستوى الفقر.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، إنه وحسب آخر دراسة علمية ثبت أن نسبة الفقر 46.5%، وذلك وفقاً لدراسة أجريت بين وزارة المالية وبنك التنمية الأفريقي، إلا أنه لم تصدر بعدها دراسات علمية حديثة إلى الآن، لكي يتم تحديد نقصان أو زيادة معدلات الفقر. وطالب الناير بإجراء دراسات علمية لتحديد معيار الفقر في السودان قبل الشروع في التصنيفات، خاصة وأن بعض الدول ترى أن نسبة الفقر تعتمد على الحصول على أقل من دولارين في اليوم ولكل دولة معاييرها.
وقال لذلك تحديد ووجود معايير للسودان قضية مهمة لمعرفة ما الذى يتناسب مع السودان حتى يتم القياس عليه.

ويرى الناير أن القضية ليست مؤشرات بل تتعلق بخطة الدولة التي تسعى في تخفيض معدل الفقر حتى تبني خطتها على معلومات حديثة. وأوضح أن أي خطة استراتيجية لا يمكن أن تبنى إلا على قاعدة معلومات قوية ومتكاملة تغذى من مراكز المعلومات والدراسات، وهذه تعطي مؤشرات حقيقية في كل القطاعات وتوضح الرؤى لتبين معدل الفقر بصورة سليمة.
ويعد خروج قطاعات إنتاجية مثل الزراعة والصناعة والصناعات التحويلية التي كانت تستوعب آلاف العمال من الأسباب التي ساهمت في زيادة الفقر وخروج قطاعات من العمال عن الإنتاج، حيث أصبحوا تبعاً لذلك مستهلكين دون إنتاج حقيقي في الوقت الذى ارتفعت فيه نسبة البطالة والمهن الهامشية حتى بين الخريجين.

ويقول رئيس اتحاد عام نقابات العمال، يوسف علي عبد الكريم، إن الأجور السائدة حالياً لا تغطي 22% من تكلفة المعيشة وهو قول يؤكد معاناة قطاع عريض من المواطنين. ويرى أن ضعف الأجور ينعكس سلباً على مستوى المعيشة ولذا فإن الفقر متمدد لا محالة بل ويعتبر أكثر سوءاً مما هو معلن.
وبما أن متغيرات كثيرة حدثت منذ انفصال دولة جنوب السودان 2011، ما غيّر عدد السكان ونسبة الريفيين والحضريين، وأدّى إلى اختلال في موارد وإيرادات الدولة بالإضافة إلى تغيّر في سعر الصرف وفي أوزان القطاعات الاقتصادية، بجانب التغيّر في أنشطة السكان وسبل كسب العيش وأولويات مصروفهم. وأحدثت هذه المتغيرات فروقاً كبيرة في نسب الفقر سواء على مستوى البلاد بشكل عام أو على مستوى الولايات، وهذا أمرٌ دفع الجهاز المركزي للإحصاء إلى القيام بمسح قومي لميزانية الأسرة والفقر.
من جانبها، قالت الدكتورة فاطمة أحمد فضل، مديرة مركز تنسيق مشروعات تخفيف الفقر بوزارة الضمان والتنمية الاجتماعية، إن قضية الفقر متجذرة ناتجة عن عدم وجود تنمية حقيقية.


المساهمون