نفط ليبيا في فوهة الغرامات

12 مارس 2015
ليبيا تخشى غرامات عدم الوفاء بعقود تصدير النفط(فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن الليبيون يتوقعون أن تتحول حقول النفط، التي تدرّ عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، إلى منبع للغرامات المالية والمطالبات بتعويضات من قبل الشركات العالمية في ظل التردي السياسي والأمني للبلاد.
وتواترت في الآونة الأخيرة هجمات من قبل مسلحين مجهولين، ضد المنشآت النفطية في عدة مناطق بالبلاد، ما دعا المؤسسة الوطنية للنفط قبل نحو أسبوع لإعلان حالة القوة القاهرة في 11 حقلاً نفطياً، محذرة من أن استمرار الحالة الأمنية المتردية سيضطرها إلى إغلاق كل الحقول والموانئ.
وبحسب وزارة النفط الليبية، فإن إعلان حالة القوة القاهرة، جاء لتجنب الغرامات التي تفرضها العقود مع الشريك الأجنبي في الإنتاج وعقود بيع النفط الليبي.
وقال الناطق الرسمي باسم المؤسسة الوطنية للنفط، محمد الحراري، في تصريح لمراسل "العربي الجديد"، إن فرض القوة القاهرة، يستهدف إيقاف جميع الالتزامات المالية على الحقول النفطية، وحماية التعاقدات بين ليبيا والشركات الأجنبية.
ووفق مدير إدارة التخطيط والمتابعة في وزارة النفط، سمير كمال، فإن ليبيا تتحمل غرامات عن الناقلة التي يتأخر شحنها مدة أسبوعين بنحو 3 ملايين دولار.
وحالة القوة القاهرة تفرضها السلطات الليبية على الموانئ أو الحقول للإعلان عن عدم تمكنها من الالتزام بأي تعاقدات. وفرضت المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس نهاية العام الماضي 2014، حالة القوة القاهرة على ميناءي "السدرة" شرق البلاد و"رأس لانوف" شمالاً، وهما أكبر ميناءين لتصدير النفط في البلاد.

​وتعاني ليبيا، العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، صراعاً مسلحاً في أكثر من مدينة، بين كتائب مسلحة تتقاتل لبسط السيطرة، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلام السياسي زادت حدته مؤخراً، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منه مؤسساته. الأول: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق (شرق) وحكومة عبد الله الثني، أما الجناح الثاني للسلطة، فيضم المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف جلساته) ومعه رئيس الحكومة عمر الحاسي.
لكن في الآونة الأخيرة، تعرضت عدة حقول، لاسيما في شرق البلاد إلى هجمات وعمليات تخريب من قبل مسلحين مجهولين ليس معروفاً بعد انتماؤهم السياسي.
وكان وزير النفط والغاز في حكومة طرابلس (التابعة للمؤتمر الوطني العام)، ماشاء الله سعيد الزوي، قال في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" مطلع العام الجاري، إن قطاع النفط تعرض لخسائر بنحو 60 مليار دولار خلال العامين الماضيين، منها 30 مليار في الإيراد العام، والباقي في التشغيل.
ولدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في أفريقيا، وتعتمد على إيراداته في تمويل أكثر من 95% من موازنة الدولة. وبلغ إنتاج النفط قرابة 1.4 مليون برميل يومياً، حتى منتصف 2013، قبل استيلاء مسلحين على موانئ نفطية، مطالبين بإنشاء إقليم في برقة (شرق ليبيا)، ليهوي الإنتاج إلى أقل من 200 ألف برميل في بعض الأوقات من العام الماضي، ثم توصلت الحكومة إلى اتفاق معهم ومعاودة الإنتاج بداية العام الحالي، ليعاود الصعود إلى نحو 700 ألف برميل، لكنه ما لبث أن تراجع بتجدد الهجمات على الحقول وموانىء التصدير مؤخراً، ليصل إلى نحو 500 ألف برميل حالياً.
وقال عبد الفتاح أبو هيل، الخبير الاقتصادي، وعضو هيئة تدريس بكلية الاقتصاد في جامعة بنغازي، إن فرض القوة القاهرة على عدة حقول خلال الفترة الأخيرة كان أمراً حتمياً، لأن هذا الإجراء يعفي أي طرف من أطراف العقود تماماً من التزاماته وواجباته لوجود ظروف استثنائية خارجة عن إرادته.
لكن خبراء اقتصاد يرون أن هذه الإجراءات قد تكبح الغرامات المالية التي قد تتعرض لها ليبيا جراء توقف حقول عن العمل أو تعطل شحنات تصديرية متعاقد عليها، غير أن الاستسلام لها بعيداً عن إيجاد حلول جذرية لإيقاف الهجمات على المنشآت النفطية يزيد من تردي الوضع الاقتصادي ويكبد الاقتصاد المزيد من الخسائر.

وتواجه ليبيا أزمة مالية حادة بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، فضلاً عن تراجع إنتاجها، ما تسبب في عجز بالميزانية العامة للدولة، واللجوء إلى السحب من احتياطيات النقد الأجنبي لتسيير الأعمال.
ولم تقر ليبيا حتى الآن موازنة عام 2015، والتي توقع مسؤول بمصرف ليبيا المركزي أن يصل العجز فيها إلى 15.3 مليار دولار.

اقرأ أيضا: ليبيا تطبع النقود لمواجهة أزمة السيولة

وتصاعدت التحذيرات من حدوث عجز تام في الإيرادات المالية لليبيا وتوقف الحياة، في ظل الهجمات المتلاحقة على حقول النفط التي تعتمد البلاد على إيراداتها بشكل كامل تقريباً.
وحسب تقرير حديث لمصرف ليبيا المركزي، فإن مصروفات الدولة خلال العام الماضي 2014، بلغت 49 مليار دينار (36.5 مليار دولار)، فيما بلغت الإيرادات نحو 20.9 مليار دينار (15.5 مليار دولار) بعجز في الموازنة العامة بلغ 25.1 مليار دينار (18.7 مليار دولار)، وسط توقعات ببلوغه 15.3 مليار دولار العام الحالي.
وتفاقمت الأزمات المعيشية لليبيين خلال الفترة الأخيرة، بعد أن أدى تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، إلى توقف مشروعات التنمية، وتكبد العديد من القطاعات الاقتصادية خسائر باهظة.
ويبلغ عدد سكان ليبيا 6 ملايين نسمة، يعمل منهم 1.25 مليون شخص في الجهاز الإداري للدولة، باتوا مهددين بعدم الاستقرار في ظل التراجع الحاد في إيرادات البلاد، وفق خبراء اقتصاد. ولجأت ليبيا إلى اتخاذ عدة إجراءات تقشفية أخيراً. وبحسب التقرير السنوي لديوان المحاسبة الليبي، فإن البلاد صرفت من الأموال المجنبة (جزء من الاحتياطي النقدي لأوقات الأزمات) خلال 3 سنوات، 11.35 مليار دينار (9.08 مليارات دولار)، حيث بلغ إجمالي الأموال المجنبة بنهاية 2014 نحو 12.6 مليار دولار.

اقرأ أيضا: حقول نفط ليبيا مهددة بالإغلاق
المساهمون