صفقة سياسية تحرّك بحر النفط الراكد في لبنان

08 يناير 2017
تقديرات مشجعة بشأن احتياطات النفط (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -


"دخل لبنان عصر الإنتاج النفطي"، بهذه العبارة المقتضبة أعلن وزير الطاقة والمياه في لبنان، سيزار أبي خليل، وضع الهيئات الرسمية المعنية بقطاع النفط للبلاد على طريق الإنتاج التجاري للنفط والغاز المكتشف حديثاً في مياه البحر المتوسط، والذي تتوزع مليكته بين لبنان وقبرص واليونان وفلسطين المحتلة.
وكما أدت الظروف السياسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى تعطيل إقرار مراسيم قطاع النفط بسبب تعطيل "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" انتخاب رئيس للجمهورية، تم إقرار المراسيم نتيجة للتوافق السياسي الذي أنهى الشغور الرئاسي بانتخاب ميشال عون رئيساً وعودة سعد الحريري إلى موقع الرئاسة الثالثة للحكومة في لبنان.

ويؤكد مصدر سياسي واسع الاطلاع لـ "العربي الجديد" أن "الصفقة التي تمت بين الرجلين على صعيد الرئاسة شملت تقاسم الموارد اللبنانية بين فريقيهما السياسيين، فحصل الحريري على وزارة الاتصالات وبقيت وزارة الطاقة من حصة التيار الوطني الحر الذي أسسه عون ويترأسه حالياً زوج ابنته، وزير الخارجية جبران باسيل".
ولا يبدو أن القوى السياسية الكبرى في البلد بعيدة عن جو التوافق السياسي والاقتصادي، وهو ما برز من خلال تقسيم المقاعد الوزارية الخدماتية بين مُختلف الكتل السياسية، والزيارات المتوالية التي قام بها وزير الخارجية جبران باسيل إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتي تخللها بحث مُعمق في قطاع النفط وتقسيم البلوكات.

ويمتد الحديث عن "الصفقة السياسية الاقتصادية" ليشمل التوافق على شكل التعديلات على النظام الضريبي الخاص بقطاع النفط، والذي تدرسه لجنة وزارية خاصة كلفها الرئيس الحريري لوضع التعديلات المطلوبة لإقرارها في مجلس الوزراء ثم تحويلها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها.
وأعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني أبي خليل، الخميس الماضي، عن افتتاح 5 بلوكات نفطية في المياه الإقليمية أمام الشركات النفطية فور إنجاز التعديلات الضريبية لتتناسب مع الأنشطة النفطية المستجدة في البلاد.



وأكد أبي خليل في مؤتمر صحافي عقده في مبنى وزارة الطاقة بالعاصمة بيروت، أن "الحكومة اللبنانية لن تستثمر قرشاً واحداً في قطاع النفط، بل ستستدرج العقود وفق نظام تشارك الإنتاج مع الشركات التي ستفوز في المزايدات".
وطمأن وزير الطاقة اللبنانية إلى أن "التعديلات على قانون النظام الضرائبي الخاص بقطاع النفط ستُقر سريعاً في مجلس الوزراء وفي البرلمان أيضاً".

وطمأن الوزير اللبناني الرأي العام إلى مطابقة دفتر الشروط ونموذج المزايدات الذي وضعته هيئة إدارة قطاع النفط مع مجموعة مؤسسات دولية رقابية تتابع موضوع الشفافية في الصناعات الاستخراجية، ومنها: البنك الدولي ومبادرة الشفافية الدولية للصناعات الاستخراجية والجمعية الوطنية الأميركية للصناعات الاستخراجية.
ومع تمثيل أغلب الكتل البرلمانية في الحكومة في ظل حكومة الوفاق الوطني، يتحول دور مجلس النواب إلى موافق تلقائي على مقررات الحكومة ومقترحاتها.

وسُجل في هذا الإطار اعتراض وزيرين منتميين لكتلة اللقاء الديمقراطي، هما وزير التربية والتعليم مروان حمادة، ووزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان، أيمن شقير، على "موافقة مجلس الوزراء على مشروعي مرسومين يتعلقان بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل رقع (بلوكات)، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية ونموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج".
وذلك في ترجمة عملية للاعتراض السياسي الذي عبر عنه رئيس الكتلة، النائب وليد جنبلاط، الذي قال عبر مواقع التواصل إنه "الأفضل الحفاظ على ثروة لبنان الوطنية حيث هي دون حفر أو تنقيب، ولا لهذه المراسيم الملغومة".
وشبه جنبلاط الجلسة الحكومية بـ "فيلم العراب" والمقولة الشهيرة "سأعطيه عرضاً لا يستطيع رفضه".

كما حذر من "وجود عرابين للثروة الوطنية، ومن إمكانية تحول لبنان إلى دولة مارقة نفطياً كالعراق ونيجيريا".
ويؤكد وزير التربية مروان حمادة لـ "العربي الجديد" أن "الاعتراض داخل مجلس الوزراء على مراسيم النفط، هو استكمال للاعتراض الذي عبرنا عنه في البرلمان عند التصويت على قوانين النفط، بسبب إغفال إنشاء الشركة الوطنية التي يُفترض أن تُمثل الدولة لدى الشركات، وأيضاً بسبب عدم إنشاء الصندوق السيادي المنصوص عنه في القانون والذي لم يرد ذكره في القوانين التطبيقية".

كما اعتبر حمادة أن "الصيغة الهجينة لقطاع النفط في لبنان تمنح وزير الطاقة صلاحيات استثنائية وتحوله إلى وزير فوق مجلس الوزراء وفوق الوزارات بما فيها وزارة المالية"، وحذّر حمادة من تحوّل هيئة إدارة النفط إلى مجموعة موظفين استشاريين يعملون لدى الوزير.
وعبّر الوزير الاشتراكي (الحزب التقدمي الاشتراكي) عن مخاوف من محاولة فصل واردات قطاع النفط عن المالية العامة للدولة.


واعتبر حمادة أن "تسجيل نسبة إيرادات منخفضة جداً عند بيع نتائج دراسات المسوحات للشركات المهتمة بالنفط اللبناني، يؤكد أحقية اعتراضنا على طريقة إدارة هذا الملف الذي يتم ربط مداخيله بالأرباح الصافية للإنتاج وليس بمجمل الإيرادات".
وهي أمور ينفيها وزير الطاقة أبي خليل، الذي أكد أن "هيئة إدارة قطاع النفط شارفت على إنجاز مشروع قانون الصندوق السيادي الذي سيضمن عدم بعثرة عائدات النفط والغاز وضمان استفادة الأجيال القادمة منها".

وستنطبق شروط الدفتر على البلوكات النفطية البحرية العشرة التي حددها مرسوم مجلس الوزراء، كما يُمكن أن تنطبق على الموارد الطبيعية الي يُتوقع اكتشافها تحت البر اللبناني.
وأشار أبي خليل إلى وجود 3 مراحل من الرقابة على قطاع النفط، وهي رقابة هيئة النفط، ورقابة وزارة الطاقة، ورقابة مجلس الوزراء.
وأكد وزير الطاقة اللبناني لـ "العربي الجديد" أن "اختيار البلوكات الخمسة التي ستُطرح للمزايدة في دورة التراخيص النفطية الأولى تخضع لمعايير تقنية وتسويقية وهي بعيدة كليا عن معايير المحاصصة".

وعدد الوزير هذه المعايير، وهي: "حماية حقنا في استخدام مواردنا الطبيعية في المنطقة الجنوبية القريبة من العدو الإسرائيلي، وزيادة حصة الدولة من العائدات وفقاً لمبدأ التلزيم التدريجي الذي اعتمدناه في التسويق، وزيادة عامل الجذب للشركات المهتمة باستثمار الموارد".
ونفى أبي خليل إمكانية استخدام لبنان لنفس خطوط التوزيع التي قد يلجأ العدو الإسرائيلي لتصدير الغاز والنفط المُستخرج من الأراضي الفلسطينية المُحتلة عبرها، مُعتبراً أن "خيارات التصدير مفتوحة إن كان براً عبر خط الغاز العربي، أو بحراً عبر إقامة محطات تسييل للغاز في مراحل لاحقة".

علمنة قطاع النفط

يصف خبير النفط اللبناني، المهندس ربيع ياغي، إقرار مراسيم البلوكات ودفتر الشروط في مجلس الوزراء بالأمر المُهم، لكنه يؤكد أنها خطوة أولى في مشوار طويل من العمل على إنشاء صناعة نفطية كاملة في لبنان تشمل: الاستكشاف والتنقيب والحفر والاستخراج والتسويق والتصدير والتطوير.
ويشير ياغي إلى أن الخطوات اللاحقة لإقرار الشق القانوني والتنظيمي لقطاع النفط ستستغرق سنوات طويلة، داعياً إلى "علمنة قطاع النفط في لبنان لأن الفساد المُركب هو جزء أصيل من النظام الطائفي في لبنان".

ورغم تأكيده أن "التدخل السياسي وحده أدى لإقرار مشاريع المراسيم النفطية في مجلس الوزراء"، يتمنى ياغي فصل التجاذبات السياسية عن قطاع النفط لتحقيق أكبر قدر من الشفافية.
ولدى سؤاله عن كمية أو القيمة المادية المتوقع أن يحصدها لبنان بفضل ثروات النفط والغاز الموجودة في المياه الإقليمية اللبنانية، يُشبه الخبير النفطي الأمر بحفر بئر المياه: "فلا يمكن التأكد من كمية المياه الموجودة في بقعة أرض رطبة دون حفر بئر للاستكشاف". وهو ما يُصطلح على تسميته في المجال النفطي بالحقول التجريبية التي ستُحدد كمية الموارد النفطية والغازية الموجودة تحت سطح البحر بدقة، وفق ياغي.

وإلى جانب ضرورة ممارسة السيادة الكاملة أمام العدو الإسرائيلي، يدعو ياغي إلى ممارسة السيادة خلال التفاوض مع الشركات النفطية العملاقة أيضاً، وتعيين طاقات لبنانية قادرة على إدارة تفاوض نديّ مع هذه الشركات التي تكاد تحكم الكرة الأرضية.
ويتهم لبنان إسرائيل بالتعدي على ثرواته الطبيعية وتحديداً بسبب استخراج الموارد من حقل "كاريش" الذي يبعد 4 كيلومترات فقط عن البلوك الثامن، و6 كيلومترات عن البلوك التاسع اللذين يقعان ضمن المياه الإقليمية اللبنانية.

ومع الوعود السياسية الكبيرة التي أطلقتها الحكومة اللبنانية بشأن التعاون مع القطاع الخاص للاستثمار في مجالي الاتصالات والنفط، يُعول اللبنانيون على المبالغ النقدية الكبيرة التي ستُضخ في السوق ولكنهم يخشون أيضاً من أثر المحاصصة الطائفية والمذهبية على عائدات القطاعين في لبنان في وقت تتراجع إيرادات الدولة من موارد وقطاعات مهمة على رأسها السياحة والصادرات، ما فاقم الأزمة المالية للدولة.

أرقام مشجعة

تشير دراسة عن النفط في لبنان نشرت في مجلة الجيش (العدد 338 - 339 - سبتمبر/أيلول 2013) إلى أن "تحليل 10% من نتائج مسح 70% من مياه لبنان، أظهر وجود حوالي 30 ترليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل".

وقد خاضت القوى السياسية في مسار غير منتظم لإقرار مراسيم النفط منذ إقرار البرلمان لقانون التنقيب عن النفط في جلسته التي عقدت في أغسطس/آب 2010، فتم إنجاز مراسيم النفط وإنشاء غرفة المعلومات الخاصة بالقطاع عام 2011. وفي العام التالي تم تعيين هيئة قطاع النفط ومسح أكثر من 70% من المياه اللبنانية.

وفي عام 2013 حقق لبنان حوالي 35 مليون دولار أميركي كعائدات من شراء شركات عالمية لمعلومات المسح.
وشاركت في نفس العام 46 شركة من الولايات المتحدة الأميركية، البرازيل، إيطاليا، النرويج، هولندا، إسبانيا، الدنمارك، فرنسا، اليابان، ماليزيا، كندا، أستراليا، كرواتيا، هنغاريا، إيطاليا، إيرلندا، بريطانيا، الهند، كوريا، الكويت، لبنان، روسيا، تايلاند، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، في مناقصة النفط.


المساهمون