تونس... أزمة الفوسفات تنعش مضاربات الأسمدة الزراعية

تونس... أزمة الفوسفات تنعش مضاربات الأسمدة الزراعية

16 ديسمبر 2019
الزراعة تعاني من نقص الأسمدة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يهدد تفاقم نشاط المضاربة والاحتكار في قطاع الأسمدة الزراعية الفلاحين التونسيين هذا العام، بعد أن ألهبت الشبكات الموازية أسعار مواد كيميائية رئيسية لزراعات الحبوب وسط دعوات المزارعين للسيطرة على الوضع قبل انفلاته.
ويخشى مزارعو الحبوب هذا العام من زيادات كبيرة في أسعار أسمدة "دي أي بي" الأساسية للزراعات الكبرى، نتيجة سيطرة المضاربين على النشاط واحتكاره، بعد أن كانت شركات حكومية تتولى بيعه بأسعار تحددها وزارة الفلاحة.

وأسمدة "دي أي بي" واحدة من المواد الكيميائية التي يوفرها المجمع الكيميائي التونسي من مستخرجات الفوسفات، حيث يؤمن المجمع لمدة عقود الكميات اللازمة للسوق المحلية وأسواق مغاربية، غير أن تراجع الإنتاج وصعوبات المجمع ينذر هذا العام بأزمة أسمدة.
ويستغل المضاربون صعوبات المجمع الكيميائي وتراجع الإنتاج لاحتكار الكميات المتوفرة وإعادة ضخها في السوق بزيادة تفوق 60 بالمائة من السعر العادي، ما دفع منظمة المزارعين إلى إطلاق صافرة الخطر ودعوة الحكومة إلى إعادة السوق إلى صوابها.

ويشكو مسؤول في المكتب التنفيذي لمنظمة المزارعين، محمد رجايبية، من فوضى أسعار الأسمدة، مشيرا إلى أن المضاربين فرضوا سطوتهم على السوق، بعد أن وجدوا طرقا للتزود بشكل احتكاري من منتجات المجمع الكيميائي.
وقال رجايبية إن مجموعات مراقبة من وزارة الزراعة كانت تتولى هذه المهمة للحفاظ على الأسعار، غير أن دورها تراجع في السنوات الأخيرة لتفسح المجال أمام للمضاربين الذين يستغلون نقصا في الأسمدة لفرض زيادات كبيرة في الأسعار.

وأضاف المسؤول بمنظمة المزارعين متحدثا لـ"العربي الجديد" أن سعر القنطار من مادة "دي أي بي" مرجح لبلوغ 62 دينارا (الدولار = نحو 3 دنانير) هذا العام بعد أن كان في حدود 45 دينارا في السنوات السابقة.
وأكد أن زيادة الأسعار لا تترك مجالا أمام المزارعين، فإما الاستغناء عن هذه المادة الأساسية التي تؤثر على جودة ووفرة المحصول أو الرضوخ لقوانين السوق التي فرضها المحتكرون، لافتا إلى أن منظمتهم أبلغت وزارة الزراعة بالإشكاليات التي تعترض المزارعين في افتتاح موسم الزراعات الكبرى ومنها الحبوب، غير أن أجهزة الرقابة لم تستطع السيطرة على السوق.

ويلقى تراجع إنتاج الفوسفات والمواد الكيميائية التي تصنع في المجمع الكيميائي التونسي بظلالها على قطاعات اقتصادية عديدة، ومنها القطاع الزراعي الذي يواجه نقص الأسمدة وخطر المستورد منها، والذي أثرت رداءته سلبا على الزراعة خلال السنوات الماضية وتسبب في تلف المحاصيل.
وحسب أرقام رسمية للمجمع الكيميائي تراجع إنتاج أسمدة "دي أي بي" من 1.410 مليون طن عام 2010 إلى 438 ألف طن عام 2019، كما تقلصت نسبة تغطية السوق بهذه المادة من 100 بالمائة قبل تسعة أعوام إلى 31 بالمائة حاليا.

ويدفع توسع نشاط السوق السوداء للأسمدة، المزارعين إلى البحث عن بدائل أقل جودة من الخارج تؤثر على جودة المحاصيل هربا من الأسعار الباهظة التي يفرضها المضاربون.
واقترح المدير العام للمجمع الكيميائي التونسي، عبد الرزاق، الونّاسي، تكوين لجنة للحدّ من الاحتكار ومراقبة توزيع كميات الأسمدة الكيميائية على الفلاحين بصفة عادلة في مختلف الجهات، مشددا على إعطاء الأولوية في التسويق للسوق المحلية والقطاع الزراعي.

ويقر المسؤول في المجمع الكيميائي بوجود مسالك للمحتكرين تسببت في إشكاليات على مستوى سلسلة التوزيع، مؤكدا بذل المؤسسة لمجهودات لإنتاج كميات الأسمدة الضرورية لهذا الموسم، والتي حددتها وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، باستثناء نقص في توزيع سماد ثلاثي الفوسفات الرفيع، الذي تقلصت كمياته من نحو 14 ألف طن، في الموسم الماضي، إلى حوالي 2.5 ألف طن، حاليا.
وأكّد الونّاسي حرص المجمع على تكوين مخزون استراتيجي من هذا السماد لمجابهة فترة ذروة الزراعات الكبرى بالشمال والغرب التي تنطلق من شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي.

وأكد مسؤولون في المجمع الكيميائي التونسي، أن المجمع بإمكانه الإيفاء بتعهداته تجاه السوق المحلیة وللتصدير للسوق الهندية، إذ تم شحن باخرة فيما يتم شحن باخرة أخرى باتجاه نفس البلد العام الجاري، كما ستوجه باخرة ثالثة إلى ذات السوق بداية العام القادم.
ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الزراعية، محمد المنصف الشريف، لـ"العربي الجديد" إن تداعيات أزمة الفوسفات على قطاعات حيوية أخرى متوقعة منذ مدة، مشيرا إلى أن تونس قد تتحول من بلد مصدر للأسمدة الكيميائية إلى مستورد لها.

ورجح الشريف أن تزيد أزمة الأسمدة من صعوبات القطاع الفلاحي وتدفع المزارعين إلى تغيير نشاطاتهم، ولا سيما العاملين في زراعة الحبوب التي باتت مكلفة. وشدد الشريف على ضرورة مسك الحكومة بزمام الأمور وتطوير كراس شروط تجارة الأسمدة التي لم تراجع منذ عام 1993 حتى تتمكن من وضع حد لنشاط المحتكرين والمضاربين في هذا القطاع.
وحذر المتحدث نفسه من فقدان تونس أسواق الأسمدة بسبب أزمة المجمع الكيميائي على غرار فقدان أسواق الفوسفات.