أخاف أن تقتلني دمعة أمي

03 أكتوبر 2016
رافقني الخوف في مختلف مراحل حياتي (رسم فؤاد هاشم)
+ الخط -
"لا أخاف من الموت لكن تقتلني دمعة أمي". عبارة أقرأها على الكثير من وسائل النقل العام. منذ أن عرفت الخوف، لم أجد تبريراً لوجوده. أخاله أحياناً مجرّد وهم يمنعني عن فعل أشياء كثيرة. ما زلت أذكر المرة الأولى التي عرفته فيها. كان "أبو كيس" يخطف الأطفال الذين يسهرون ويرفضون النوم باكراً ولا يطيعون أمهاتهم وآباءهم. وفي المدرسة، يهدّدون التلاميذ بغرفة الفئران، وقد يضعون اللبن على أذن من يرسب، فتأتي الفئران وتنهشها. طفولة كانت تضمّ لائحة من وسائل التخويف تكاد لا تنتهي، وجميعها من نسج الخيال.

كان بيت جدي يقع على مقربة من المقبرة في القرية. هذا الموقع كان كفيلاً بجعل جميع أطفال العائلة يسمعون كلام الكبار وينامون باكراً. وهؤلاء الكبار كانوا يستغلّون خوفنا من المقبرة والأرواح لإجبارنا على الالتزام بأشياء كثيرة. وعندما اجتزت مرحلة المراهقة، أردت أن أجرّب التدخين. كانت الحرب الأهلية ما زالت مستمرّة في بيروت. بطبيعة الحال، كان جميع أفراد العائلة يقيمون في بيت جدي، ولم أجد غير المقبرة "المخيفة" لإعطائها سري. فيها، جرّبت التدخين من دون أن يراني أحد ويخبر أهلي. ومع الوقت، اكتشفت أنها أجمل من عالم الأحياء الذين أخبروا والدي عن عادتي الجديدة. لم أجد فيها ما يدعو للخوف، وأصبحت المكان المفضل لدي للعب مع أصدقائي. من هذه المقبرة، بدأت أكسر حاجز الخوف من التفاصيل الوهميّة.

رافقني الخوف في مختلف مراحل حياتي. وأجدني أركله دائماً بوسائل عدة. وإذا ما فشلت، أتجنبه. وإذا ما هزمته، أشعر بالفخر. أليس هذا انتصاراً عظيماً؟

بعيداً عن الأوهام والخرافات، أخاف الحرب التي سرقت بعضاً من طفولتي. واليوم، أخشى الأماكن المرتفعة ولا أعرف السبب. أخاف من التطرّف بكل أشكاله، ولا أخجل من التعبير عن خوفي من الكلاب، خصوصاً الكبيرة منها. وإذا ما صودف مروري إلى جانبها، أبتسم وأنسى أن وجهي بات شاحباً. لا أريد أن يشعر أحد بخوفي، خصوصاً الكلاب. لكن ما أشعر به هو الرعب.

في بعض الأحيان، لا أعرف لماذا أعجز عن التعبير عن إعجابي بفتاة. ربّما هو خوف وهمي حافظت عليه منذ ولادتي، أم أنه الخوف من الاعتراف بالحب. أجدني أتصرف بأسلوب غبي مثل القطط، فيكون التعبير مجرّد إيحاءات أو حركات طفولية. لا أخاف من الوحدة ولا أخاف من العتمة. اعتدت انقطاع الكهرباء.

لا أخاف من الموت، لأنه الشيء الحقيقي الوحيد الذي لا مفر منه، لكنّني أخاف أن تقتلني دمعة أمي كما يكتب كثيرون على وسائل النقل العام.

دلالات

المساهمون