أبو العبد ينبض بتقاليد فلسطين

18 ابريل 2016
يلازمه عوده في السهرات (العربي الجديد)
+ الخط -
ترك أبو العبد كعوش فلسطين طفلاً في الثامنة. ليس في ذاكرته عنها سوى أشجار وجبال وطبيعة خلابة تتحلى بها قريته ميرون، في قضاء صفد (شمال الأراضي المحتلة).

لجأ أهله بعد نكبة العام 1948 إلى لبنان، واستقروا في مخيم المية ومية في صيدا، جنوب لبنان. سكنوا في خيمة. وعاش مرارة اللجوء بأكملها. لكنّه تعلم في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتابع تعليمه حتى صار مدرّساً للغة العربية في المدارس نفسها.

حافظ مع عائلته على عادات بلادهم. من ذلك فتحهم مضافة في مخيم المية ومية، يجتمع كبار العائلة فيها في المسرات والأحزان وفي السهرات الليلية كما كانت العادة متبعة في ميرون.
هو فنان يشدو بصوته الجميل مع أنغام عوده بأغانٍ تمجّد فلسطين وتغني للحب والحرية. سابقاً، كان يحيي حفلات الأعراس في المخيمات الفلسطينية، ويزيد أفراح الأهالي بصوته الشجي.

عن قريته ميرون، يقول لـ"العربي الجديد": "ماذا أقول في ميرون التي أتمنى العودة إليها!؟ قريتي التي على سفح جبل الجرمق أعلى قمة في فلسطين، ليس كمثلها أي قرية أخرى. تشتهر بالزيتون والتين والعنب والتفاح والفواكه الجبلية. كما كانت مشهورة بزراعة التبغ".

يتابع: "ميرون قرية صغيرة جداً، كنا كلّنا ننتمي إلى عائلة واحدة مؤلفة من 250 فرداً. لكنّنا في بلاد اللجوء صرنا أضعاف هذا العدد. كانت العائلة لا تزوج أبناءها ممن هم من خارج القرية. كانت الأسر تعيش مع بعضها البعض، فلا تكاليف زواج ولا مهور مرتفعة، وكانت لنا مضافة في البلدة نقلناها معنا إلى مخيم المية ومية. هذه المضافة يسهر فيها الرجال الكبار". يضيف: "الاحتفال بالأعياد له أعرافه. والمضافة ركن أساسي فيه للتهاني. تعد النسوة الكعك قبل أسبوعين من العيد. كان أبي يغادر القرية إلى مدينة صفد ليشتري لنا جميعاً الملابس الجديدة. وفي صبيحة العيد يحضر مختار البلدة أو كبيرها إلى المضافة ويجتمع الرجال الكبار، يتناولون الكعك ويحتسون القهوة، ويتكلمون ويتسلون. ومنها ينطلقون بعد ذلك إلى البيوت من أجل معايدة أهلها. يبدؤون الجولة دائماً بزيارة الأسر الفقيرة".


يروي أبو العبد كذلك عن عادات ميرون في الأعراس: "يدعون للعرس أولاً أهل القرى المجاورة لميرون، فقد كانت هناك صلات اجتماعية بين الناس جميعاً حتى من هم في البلدات الأخرى. لم تكن هناك وسائل نقل سريعة كاليوم وكانوا يتعبون في إرسال الدعوات. لكنّ أفراحنا كانت مميزة، وكان كلّ شخص يحضر العرس يجلب معه هدية. فمنهم من يجلب البنّ، ومنهم من يأتي بالسكر، وآخرون يحضرون الأرزّ، والخراف. كان العرس يستمر طوال سبعة أيام بلياليها. يحضر الحدّاء وشعراء الزجل لتبدأ المنافسة بينهم. كما يقيم الشباب رقصات الدبكة. أما طعام الأيام السبعة فأساسه المنسف. في يوم الزفة يركب العروسان على الفرس، ويزفان على أصوات الموسيقى إلى أن يوصلهما الناس إلى بيتهما، فلا تكون السعادة لهما وحدهما بل لجميع من شارك في العرس".

يشير أبو العبد إلى أنّ الجميع كانوا يساعدون بعضهم البعض في كلّ الأعمال، من زراعة وبناء وحتى طبخ.

أما عن العادات في السهرات الليلية، وبخاصة تلك التي كانت تعقد في فصل الشتاء، فيقول: "كلّ ليلة من ليالي الشتاء، كان كبار العائلة يجتمعون خلالها في بيت أحدهم. كانت البيوت في فلسطين واسعة، وكان أهلها وضيوفها يتدفؤون على موقد يصنعونه من الطين بمدخنة. أما ضيافة تلك السهرات فمن التين المجفف وزبيب العنب. كان التين يوضع على السطوح حتى يجف، وبعدها يضعونه في صناديق، ليخرجوه منها في فصل الشتاء. وهو حال الزبيب الذي تكلف النساء بجمعه عنباً من الكروم، قبل تجفيفه وتخزينه".

يعلق أبو العبد: "هذه الأمور مجتمعة هي ثقافتنا الفلسطينية التي يجب علينا أن نحافظ عليها حتى لا تندثر ويسرقها منا العدو الصهيوني. فلسطين قيمتها بتاريخها وحضارتها، وإن خسرنا هذه العادات القديمة فسنخسر فلسطين مرتين".
المساهمون