في ظل صعوبة الحجر المنزلي والضغوط النفسية الكبيرة التي تصاحبه على خلفية فيروس كورونا الجديد، انخرط عشرات المتخصصين النفسيين في تونس في مبادرة هي عيادة مجانية عبر الهاتف حملت اسم "أحكيلي". وبدأوا يتلقون اتصالات الناس للإصغاء إلى مشاكلهم وتقديم نصائح سريعة للرعاية والتوجيه والمرافقة، مؤكّدين أنّ الرعاية النفسية جزء من نجاح الحجر المنزلي والالتزام به والخروج من الأزمة بأقلّ الأضرار.
ويقول المعالج النفسي غيث السويسي، وهو صاحب فكرة "أحكيلي" إلى جانب لمياء الشوك، لـ"العربي الجديد" إنّ "المبادرة انطلقت في فبراير/ شباط الماضي، وضمّت عدداً من المتخصصين النفسيين العاملين في المستشفيات الحكومية أو الذين يملكون عيادات خاصة، لتطوير خدمات الصحة النفسية لمن يحتاجها، خصوصاً خلال هذه الفترة، في ظل الضغط الكبير على الإنسان بصورة عامة، وليس على التونسيين فقط، لأنّ الناس يعانون في ظل الحجر، الأمر الذي دفع الجميع إلى البقاء في بيوتهم بالإضافة إلى تغيير نمط حياتهم". يضيف السويسي أنّ مبادرة "أحكيلي" من شأنّها أن تعزّز أهمية العلاج النفسي في وقت الأزمات، خصوصاً أنّ هذه الأزمة عالمية والوباء يثير مخاوف فئات عدّة قد لا تشعر في بداية الأمر بحاجتها إلى المتابعة النفسية. لكنّ طول مدّة الحجر والضغط المرافق قد يدفع بعض الناس إلى اللجوء إلى متخصصين نفسيين. واليوم، العيادات مغلقة بسبب تفشي كورونا، بالتالي فإنّ هذه المبادرة قد تجنّبهم البحث عن معالج نفسي.
ويتابع السويسي أنّ مبادرة "أحكيلي" خدمة تعتمد على التواصل المباشر عبر الهاتف مع المواطنين باختلاف أعمارهم وفئاتهم من طالبي بعض النصائح والدعم النفسي وسط الحجر المنزلي العام. ويتلقّى المتخصصون النفسيون اتصالات يومياً، بدءاً من الظهر وحتى منتصف الليل، للاستماع إلى مشاكل الناس والإحاطة بهم نفسياً، نظراً إلى ما يسببه الحجر المنزلي من ضغط كبير على جميع الأفراد من دون استثناء، سواء الكبار أو الصغار. ويشدّد على أهمية متابعة تغيّر سلوك الأبناء بسبب بقائهم في المنزل وتغيّر أسلوب حياتهم والدراسة عن بعد، فهؤلاء لم يعتادوا هذه الظروف المستجدة. بالتالي فإنّ كلّ ما قد يطرأ من تغيّرات على سلوك الطفل أمر لا بدّ من التوقّف عنده.
ويشرح السويسي أنّ الجلسة الواحدة تدوم نحو نصف ساعة في مقابل نحو ستّة دولارات أميركية، مؤكداً أنّ "هذا المبلغ بسيط". ويلفت من جهة أخرى إلى أنّ "المتخصصين النفسيين جميعهم تعهّدوا بالحفاظ على المعلومات الشخصية، كما هي الحال في عيادات الصحة النفسية في الأوقات العادية. كذلك فإنّ كلّ الاتصالات سريّة، وهي تخضع لمراقبة الدولة". يُذكر أنّ المبادرة حازت على موافقة رسمية قبل الانطلاق بنشاطها.
وأنشأ السويسي مع زملائه في المبادرة صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بمبادرتهم وطبيعة عملهم، بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص المحتاجين إلى مساعدة أو دعم نفسيَين. ويؤكد السويسي أنّ المبادرة شهدت انتشاراً واسعاً، وباتت المكاملات الهاتفية تتجاوز 150 مكالمة في اليوم، ومن قبل فئات عمرية مختلفة. ويشير إلى أنّ "الأسئلة بمعظمها تأتي بسبب الهلع الذي يتسبب فيه فيروس كورونا وحول كيفية التخفيف من حدّة الخوف والتركيز على الدراسة أو العمل من البيت، بالإضافة إلى تلقّي بعض المكالمات المتعلّقة بتغيّر سلوك الأبناء أو بعض المشاكل الزوجية أو الشعور بالاكتئاب بسبب الحجر المنزلي".
في هذا السياق، تقول كريمة (36 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّها علمت بالمبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتواصلت مع المتخصصين من خلال الرقم التي نُشر وقد وُضع في تصرّف الناس، بهدف استشارتهم حول تغيّر سلوك أحد أبنائها والسؤال عن كيفية التصرّف بعدما بات مدمناً للألعاب الإلكترونية في خلال فترة الحجر المنزلي. تضيف كريمة أنّ ابنها بات كذلك يتصرّف بعدائية ويرفض التواصل مع بقيّة أفراد العائلة، مكتفياً بالمكوث ساعات طويلة أمام الشاشة الإلكترونية للعب. لذا احتاجت إلى استشارة متخصصين نفسيين لإقناعه بمتابعة دروسه عن بعد.
من جهته، يقول كمال (53 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّ أحد أبنائه من الأشخاص ذوي الإعاقة، وكان يتلقى الرعاية الصحية في أحد المراكز مع متابعة نفسية مستمرة. اليوم، بات يعاني من اضطرابات، إذ لم يفهم فكرة حبسه في البيت بعيداً عن المركز والأشخاص الذين كانوا يعتنون به. يضيف: "تواصلت مع بعض المتخصصين عبر تلك المنصة، واستفدت من بعض النصائح حول كيفية التصرّف في حال بدا عليه التوتر أو رفض الأكل أو تصرف بعدائية، خصوصاً أنّه لم يتجاوز عامه الخامس ولا يفهم معنى وباء أو حجر صحي".