تُفرَج

29 أكتوبر 2017
إنها تمطر (مات كاردي/ Getty)
+ الخط -
الفرج، وهو "انكشاف الغمّ أو الشدَّة أو الهمّ، وإنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَإنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا". ويقول شاعر: "إني رأيت وفي الأيام تجربة، للصبر عاقبة محمودة الأثر، وقل من جد في أمر يحاوله، واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر".

تقول أمٌّ "تُفرَج". صغيرة كانت حين عرفت الفرج كلمة لا فعلاً. كلمة انتظرتها قبل أن يكون همُّ. وطالما عرفت الفرج، لا بد وأن تعرف الهمّ، ذلك الذي رأته على وجهها ووجهه. ثم يقولان: "تُفرج". بات الهمّ همّين. وهي تبحث عن الهمّ والفرج. الكلمتان اللتان تختصران حياة. الأولى تقودنا نحو الهلاك والثانية نحو الخلاص. هذه هي القصة، خلاصٌ من هلاك وتهلكة بعد خلاص.

ثمّ تقول مجدداً، "تُفرج". كلمة ورثتها من والدة ورثتها بدورها من والدة. فرجٌ بالوراثة، بل همّ يخبئنه تحت وسادات الرضع، ليكبر معهم. كأنّهن يستحضرنه. جلسةٌ فيها بكاء و"عضّ على جروح" وصبر وأشياء أخرى.

والأمّ تُنبئ الجميع بفرج قريب، مثل ورقة لوتو لابد وأن تسقط أصفارها في جيب من كان وفيّاً لها. وهذا الوفي على يقين أنه سيربحها يوماً، لتتحول إلى بساط ريح تحت قدميه. فرجٌ. أليس الفرج بقريب؟ بساط سيطير به بعيداً عن الهموم، حتّى ينسى انتظار الفرج.

اليوم تقولها (الابنة) أيضاً، كجزء من دورة حياة. مساءً، تقود سيّارة في شوارع يسكنها أشخاص، لابد من أنهم عرفوا الهمّ، وتسمع صدى أصواتهم تردّد "فرج". والشارع يحمل أصواتهم إلى السماء. ترفع صوت الراديو، وتغنّي مع أشخاصه جميعاً، أولئك الذين يتبادلون الأدوار على الإذاعات المختلفة. لكن ذلك الصدى لا يختفي ولا ترى فرجاً. تركن السيارة وتنصت إلى "الفرج"، ذلك الصدى الذي لا يختفي. ها هي أرواح ساكني الشوارع تصعد إلى السماء. اليوم، سيتناولون غداءهم على الغيوم. ثمّة حاجة إلى الابتعاد عن الأرض. ستتركهم فوق وتمشي في كل هذه الشوارع من دونهم، وتغني من دون أن تغلق النوافذ. بعد قليل، يسقط الفرج من الغيم. لا بدّ من أنهم سيعلقون همومهم كلّها في أطرافها.

لن تُخبر الأمّ هذه القصّة. مرة جديدة، ستقول "تُفرج"، وفي وجهها "عضّات على جروح". هذه ليست تجاعيد، بل ما يقال عنه آثار الزمن. والوجه الصغير لن يحتمل أكثر، وستنكمش أجزاء منه، وهو ينتظر كلمة مجهولة. تمرّر الابنة أصابعها على ذلك الوجه المتعب، علّها تجد وجهها القديم في مكان ما. ستخبرها أنها كذبت طويلاً إذ إنها لم تُفرج، حتى باتت هي أيضاً تخشى أن ترسم التجاعيد قصّتها على وجهها الصغير.

الصدى ما زال يتردّد في السماء. لكنّه الخريف، وستمطر قريباً.

دلالات
المساهمون