"بوليميك"

05 ابريل 2016
كلٌّ يشدّ حبل الجدال العقيم إلى جهته (فرانس برس)
+ الخط -
الجدال العقيم يتساوى في نتائجه كلّ المشتركين فيه من أذكياء أو أغبياء. وبما أنّه جدال عقيم في النهاية فنتائجه عقيمة بدورها لن تحلّ مشكلاً أو تنهي خلافاً، بل ستؤدي إلى مزيد من الشقاق بين المختلفين.

أمّا مساره فيحوّل الذكي إلى غبي، والغبي إلى ذكي. فالمسألة أنّهما يتساويان فيه. مثل هذه الجدالات نشهدها كلّ يوم، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي. ينطلق المتجادلون من قضية معينة. قضية قد تكون في أساسها فاسدة، ومن ذلك القضايا التمييزية الغارقة في الطائفية والمذهبية والمناطقية وحتى الوطنية والإقليمية عندما توجّه في اتجاه الآخر المختلف في أحد هذه المستويات. وقد تكون قضية حيوية مهمة لكنّ الجدال فيها ينجرّ إلى مستوى الكراهية المحض. ويجرّ معه المتجادلين بأذكيائهم وأغبيائهم وهم يحاولون الدفاع عن حقيقة "لا جدال فيها" بالنسبة لهم. يتساوى هؤلاء، فالحجج القائمة لا يريد الطرف الآخر عن سابق تصور وتصميم الاقتناع بها، مهما كانت تبدو مقنعة بالنسبة لمن يدفعها في وجه الآخر. يقول في ذلك أستاذ علم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي في كتابه "خوارق اللا شعور": "من البلاهة أن نحاول إقناع غيرنا برأي من الآراء بنفس البراهين التي نقنع بها أنفسنا".

غالباً ما تنتهي مثل هذه الجدالات بالشتائم وقبيح الألفاظ والتهجم غير المبرر - بالنسبة لمراقب خارجي. لكنّها مبررة بالتأكيد لمن يعرف خفاياها، فالجميع يتغذى عليها ويظهر انفعالاته الأيديولوجية فيها، بما يشبه الحفاظ على العدو من أجل البقاء، خصوصاً مع معرفته أنّ التطرّف لا يعيش إلّا بتطرّف يقابله.

يحترف كثيرون الجدال العقيم. هؤلاء همّهم إفحام خصومهم مهما كانت الطريقة. ومع عدم قدرتهم على ذلك، خصوصاً أنّ الخصم يستخدم الأسلوب نفسه، تنهار المنظومة البنّاءة وتدور أيّ قضية على حجج بالية مبتذلة. وعدا عن كونه لا يحمل جديداً، فإنّ مثل هذا الجدال لا يحلّ المشاكل.

في دراسته "مرتكزات السيطرة الغربية"، يتحدث أستاذ علم الاجتماع اللبناني فردريك معتوق عن الـ"بوليميك"، وهي المساجلة التي اختص بها الغرب عن سواه من الأمم في التوصل إلى حلول لمشاكله. يقول إنّه "استعداد ذهني للانفتاح على الخصم، من دون شجار وخصام، بل بجدال خلّاق بنّاء يهدف الداخل فيه إلى الخروج بنتيجة مختلفة جدلياً عن تلك التي انطلق منها وينتمي إليها حالياً. ولا يسعى إلى دحر أفكار الآخرين وتثبيت فكرته وحده كما هي. الطرفان توحدهما استراتيجياً دينامية واحدة تجعل نشاطهما السياسي متكاملاً".

نحتاج بشدة إلى تبديل جدالنا العقيم بـ"بوليميك".

المساهمون