مواهب عراقيّة يغتالها الإهمال

04 اغسطس 2016
إلى متى يبقى مغموراً؟ (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
العراق من تلك الدول التي لا تُقدّر مواهبها ولا تتبنّاها. فيُدفن إبداع أبنائها قبل أن يرى النور

ما زال حلم الطفولة يرافق نور التي أصبحت مراهقة في السابعة عشرة من عمرها. لم تبقه في داخلها، بل ترجمته على جدران منزل العائلة العتيق وقد ملأتها برسوماتها. هي تحلم بأن تصبح رسامة وخطاطة، لكنّ صديقاتها فقط أبدين إعجابهنّ بما تفعل، فيما لم يكترث الأهل لموهبتها. اليوم، "أنتظر من يفتح لي أبواب العالم الذي أحبّ".

نور ليست حالة معزولة. آلاف المواهب المختلفة لم تعرف طريق النجاح والشهرة، إذ لم تتبنّها الدولة ولا أيّ من المؤسسات، بحسب ما تقول سولاف محمود وهي مسؤولة عن نشاطات مدرسية. تضيف أنّ "ثمّة مواهب إبداعية كثيرة مدفونة، لم يكتشفها أحد. وقليلة هي التي وجدت طريقاً لها". وتوضح محمود أنّ "ثمّة مئات من المبدعين في مختلف المجالات، لكن أحداً لا يتبناهم ولا يدعمهم ولا ينمّي مواهبهم. هذا واقع مؤسف في العراق الذي يعدّ بلد الحضارات والعلوم والثقافة. هو قادر على رفد العالم بالمبدعين في شتى العلوم والفنون، شرط توفّر المساحة التي تحتضن كل تلك المواهب وتدعمها مادياً ومعنوياً".

من جهته، يؤيّد المحامي عمر (28 عاماً) القول إنّ "عدم اكتشاف المواهب يؤدّي إلى مقتلها". ويرى أنّ "كبت المواهب وعدم رعايتها وتبنيها، أمور لها آثار سلبية خطيرة على الفرد نفسه وعلى المجتمع. وعمل المؤسسات ومراكز التنمية يكاد لا يُذكر، كذلك الأمر بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية. ولا تتوفر أي خطة أو مشروع حالي أو مستقبلي لاكتشاف المواهب واستيعابها". ويتابع عمر: "حتى لا تضيع المواهب مثلما ضاع صديقي الشاب الذي كان خطاطاً بارعاً، لكنّه لم يتمكّن من صقل موهبته ولا فتح ورشة خاصة به، لا بدّ من إنشاء مراكز شبابية وطالبية تستوعب المواهب في كل المجالات، بالإضافة إلى اكتشاف أخرى وصقلها وتنميتها".

عبد القادر الحامدي (26 عاماً) هو منشد شاب، يقول إنّ "المواهب التي لا تحظى باهتمام ورعاية ودعم، بكل أشكالها وألوانها، لا شكّ في أنّها سوف تُدفن. وهذا أمر من شأنه أن يؤدّي إلى خلل في المجتمع". يضيف أنّ "كبت المواهب يتسبب في فشل المجتمع ثقافياً وفكرياً"، محملاً "المؤسسات الحكومية مسؤولية ظلم المبدعين الموهوبين من خلال عدم دعمهم مادياً أو معنوياً".

أمّا الناشط المدني ماجد هادي (35 عاماً)، فيرى أنّ "اكتشاف الموهبة يعتمد في الدرجة الأولى على الأهل أو البيئة المحيطة. ثمّة ظروف تعوق اكتشاف المواهب، منها اقتصادية ومنها اجتماعية تتمثل في بعض الأعراف والتقاليد التي لا تحبّذ مثلاً دعم فتاة موهوبة فقط لأنّها أنثى. إلى ذلك تأتي الظروف الأمنية والحروب التي تخوضها البلاد، والتي جعلت من مسألة اكتشاف المواهب ودعمها أمراً يتذيّل أولويات المؤسسات والأفراد". ويشير إلى أنّ "عمل المؤسسات غير الحكومية في العراق ضعيف جداً. ودعم المواهب وتبنيها ومتابعتها في حاجة إلى مؤسسات حكومية أو مراكز دولية تعنى بالمواهب أو أخرى ذات أهداف تنموية". ويقترح استحداث قسم في إطار الرعاية الاجتماعية، يعمل على إدارة المواهب وتطويرها.

في السياق، يشير مدير الإعداد والتدريب في تربية ديالى، عبد المطلب طه العزاوي، إلى أنّ "عدم تبنّي موهبة ما أو اكتشافها يشتتها ويضيعها. وبما أنّ الفرد هو جزء من كلّ، فإنّ اكتشاف المواهب وتعميمها ممكنان. بذلك يشعر صاحبها بالسعادة والفخر وبأنّه أثبت وجوده في محيطه الاجتماعي". يضيف العزاوي لـ "العربي الجديد": "قبل الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، كانت ثمّة مؤسسات رسمية وشبه رسمية ومنظمات اجتماعية ترعى المواهب الشابة من الجنسَين، في المجالات كافة. وكان تكريم هؤلاء الموهوبين يأتي على أعلى المستويات الرسمية والشعبية".

وعن الدعم المؤسساتي، يوضح العزاوي أنّه "غير متوفّر إلا في بعض المجالات، من قبيل المجال الرياضي. لكنّه دعم متواضع جداً، وبعض الفرق الرياضية تفوز فقط بأوسمة عندما تحقق نتائج مهمّة إقليمياً أو دولياً". ويرى أنّ "أفضل معالجة لهذه الحالة تكون بإصدار تشريعات إدارية وتربوية ومالية تحفز الموهوبين وتدفع رؤساء المؤسسات والمنظمات إلى تبني الأفكار الإبداعية وغير التقليدية". على سبيل المثال، يذكر "منح المكافآت لهؤلاء ونشر أسمائهم من خلال وسائل الإعلام وفي المؤسسات والإشادة بهم في المناسبات وابتعاثهم للمشاركة في دورات وأنشطة تدريبية في مجالات إبداعهم ونبوغهم. كذلك تعزيز العمل في مراكز الشباب ومؤسسة البحث العلمي التابعة لوزارة التعليم العالي التي ترعى العلماء النابغين في بحوثهم العلمية في الجامعات العراقية مثلاً، وتأسيس الدوائر المعنية بالتطوير الوظيفي التي ترتبط برئاسة الجمهورية أو برئاسة الوزراء، وغيرها".

المساهمون