لم تنجح التسوية في جنوب سورية بمحافظتي درعا والقنيطرة، في إعادة الحياة إلى وتيرتها الطبيعية، إذ ما زال خطر الاعتقال يهدد الشباب في كل لحظة، بالرغم من قيامهم بتسوية أوضاعهم لدى الجهات الأمنية، إذ يتعرضون في الدوائر الرسمية إلى البحث عن اسمهم في النشرة الأمنية المعروفة بـ"التفييش"، وسط مخاوف من سلبهم حريتهم.
في السياق، يقول أبو عبد الله، من سكان ريف درعا، لـ"العربي الجديد": "قبل أيام، راجعت مديرية الناحية، من أجل ضبط استخراج بدل فاقد عن البطاقة الشخصية، وقابلت مدير الناحية فصدمني عندما قال لي إنه سيرسل "فيش اسمي" واسم الشهود قبل إعطائي الضبط. والصدمة الأكبر عندما قمت بإخباره أنني أملك ورقة تسوية، فأجابني بأن تلك التسوية لا يعترف بها أصلا".
ويلفت إلى أن "لديه العديد من المعاملات القانونية عليه إنهاؤها، إضافة إلى استخراج بطاقته الشخصية، وإنجاز معاملة إعفاء من الخدمة العسكرية، وتثبيت عقد زواجه في المحكمة، وتسجيل أطفاله الثلاثة في السجل المدني، كل هذا توقّف إلى أن يعلم إن كانت عليه أي مذكرة توقيف".
ويبين أنه "سبق أن سجل اسمه ضمن البحث، ولم يكن عليه أي مذكرة، لكن بعد سيطرة النظام على المنطقة مؤخرا يخشى أن تكون هناك أي مذكرة بسبب تقرير كيدي، أو أن يكون أحد المعتقلين قد ذكر اسمه خلال التحقيق".
من جانبه، يقول سالم (30 عاما)، لـ"العربي الجديد": "كنا نعتقد أن ورقة التسوية الأمنية التي قمنا بها، ستعيد لنا حياتنا الطبيعية، التي خسرناها منذ سنوات، لكن اكتشفنا أن الأمر لا يتعدى ورقة عبور على حواجز النظام داخل محافظة درعا، حيث إن الشخص الذي يحاول الخروج من المحافظة باتجاه القنيطرة أو دمشق أو السويداء، معرّض للاعتقال، وبالتالي تفقد ورقة التسوية قيمتها، وإذا كان في حقه أي مذكرة سيتم اعتقاله".
ويوضح أن "الكثير من العائلات لديها العديد من المعاملات القانونية، التي يجب عليها إنجازها، من قبيل تثبيت زواج وطلاق وحصر إرث وتسجيل أطفال في المدارس، إلا أنه في ظل بقاء الوضع على ما هو عليه والتهديد المستمر بالاعتقال، يحول دون ذلك".
بدوره، يقول الناشط أبو راشد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، "ما زال الاعتقال أمرا قائما في درعا. ففي الأسابيع الأخيرة، تم اعتقال العشرات، غالبيتهم من قيادات الفصائل المعارضة والمجالس المحلية والناشطين، والتهم جاهزة: إما الانتماء لتنظيمي النصرة وداعش، أو منظمة الخوذ البيضاء".
ويضيف: "ما زال الاعتقال كما عهدناه طوال سنوات سابقة، حيث يختفي الشخص وينضم إلى عشرات آلاف المختفين قسريا، من دون أن يكون لديهم حق الحصول على محاكمة عادلة أو حتى توكيل محامٍ أو زيارة عائلته، ما يجعل العائلة بشكل عام في خطر وليس فقط الشاب أو الشابة، فالاعتقال يطاول الجميع، بغض النظر عن الجنس أو العمر".
ويتابع: "في حال واصل النظام سياسته الحالية في التضييق على الناس والضغط عليهم، فلن يطول الزمن حتى تشتعل ثورة جديدة، تكون أقوى من الأولى".