الجزائر: اعتقال أكثر من 3 آلاف مهاجر سري والحكومة تلجأ للفتوى

29 يناير 2018
هروب الشباب بسبب اليأس وفقدان الأمل (Getty)
+ الخط -



تشهد الجزائر موجة جديدة من المهاجرين الذين دفعهم اليأس من التغيير والإحباط الاجتماعي إلى ركوب مغامرة غير محسوبة العواقب مع قوارب الموت، ما دفع الحكومة إلى الاستعانة بالمؤسسة الدينية لثني الشباب عن الهجرة.

وكشف تقرير نشره المكتب المكلف بالملفات الخاصة في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، مساء أمس الأحد، عن رقم قياسي جديد في عدد المهاجرين السريين الجزائريين الذين تم إيقافهم في عرض البحر من قبل قوات خفر السواحل، عندما كانوا بصدد الهروب من البلاد والهجرة إلى السواحل الأوروبية

وسجل إحباط السلطات الجزائرية محاولة أكثر من 3109 أشخاص جزائريين الهجرة عبر البحر باتجاه أوروبا سنة 2017، من بينهم 186 امرأة و840 قاصرا، استنادا إلى إحصائيات لقيادة حرس السواحل التابعة للقوات البحرية، مشيرا إلى أن ما يفوق الخمسة آلاف مهاجر آخر نجحوا في الوصول إلى السواحل الأوروبية، الإسبانية أو الإيطالية تحديدا، انطلاقا من السواحل الجزائرية.

وأكد التقرير أنّ شبكات الهجرة السرية التي تنشط في الجزائر تجني آلاف الدولارات من هذا النشاط، إذ لا يقل ثمن ما يدفعه كل مهاجر عن الألفي دولار أميركي، متهما الحكومة بالفشل في الحدّ من تزايد تدفق المهاجرين السريين من الجزائر، بسبب ما يعتبره "فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وانتشار الفساد مع احتكار الثروة في يد فئة لا تتجاوز 10 في المائة من الأشخاص، وتجاوز نسبة البطالة 35 في المائة في أوساط الشباب".

وبرغم تشديد السلطات الجزائرية منذ عام 2009 قوانين محاربة الهجرة غير الشرعية، وتجريم الشباب المهاجر بالسجن لفترة بين ثلاثة إلى تسعة أشهر، وتجريم عناصر شبكات الهجرة غير الشرعية بالسجن لمدة خمس سنوات، إلا أن ذلك، بحسب التقرير، لم يوقف استمرار تدفق موجات الهجرة السرية، ولم يثن الشباب عن المخاطرة بالهجرة في عرض البحر، كما لم تثنهم عمليات إعادة المهاجرين من أوروبا إلى الجزائر عن الهجرة، إذ كشفت الهيئة الوطنية لمنع التعذيب الإسبانية أنّ عدد المهاجرين السريين الجزائريين الذين أعيدوا منذ العام الماضي إلى الجزائر، بلغ 868 جزائريا كانوا على متن 86 قاربا.



وفي الفترة الأخيرة تبدي السلطات الجزائرية قلقاً بالغا إزاء تزايد حالات الهجرة السرية، واضطرت إلى الاستعانة بالمؤسسة الدينية، إذ أصدر مجلس الإفتاء التابع لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف فتوى حول الهجرة السرية أو ما يعرف في الجزائر بـ"الحرقة"، وطالب الوزير محمد عيسى أئمة المساجد بلعب دور على هذا الصعيد، وإلقاء خطب تحذر من  مخاطر الهجرة السرية وآثارها على النسيج الاجتماعي، واتهم الوزير قوى المعارضة السياسية بتحريض الشباب ودفعهم إلى الهجرة السرية. 



وقال في جلسة مساءلة برلمانية، الخميس الماضي، إنّ "تفاقم موجة الهجرة غير الشرعية يعود إلى الخطاب السياسي الصادر من بعض الشخصيات التي تسعى لتسويد الوضع. هناك بعض محترفي السياسة يعملون على تسويد الوضع في البلاد ويبررون هجرة الشباب، وهذا شكل من أشكال التحريض غير المباشر على ذلك".

غير أن إشراك المؤسسة الدينية في هذا الملف الاجتماعي، قابله رفض من النخب المدنية التي اعتبرت أن الهجرة السرية ليست لها أية أبعاد دينية، وأنها نتيجة واقعية للسياسات الفاشلة للحكومة في حلّ المشاكل الاجتماعية المزمنة، كالشغل والسكن والصحة والتعليم وغياب العدالة الاجتماعية.

واعتبر الباحث والأستاذ الجامعي فضيل بومالة، أنّ صدور فتوى المجلس الإسلامي الأعلى وتبنيها من قبل الحكومة، يؤكد فشل القانون الذي يجرّم الهجرة السرية في ردع الشباب، إذ يعاقب القانون الجزائري المهاجرين السريين بفترة سجن، ما دفع السلطة إلى الاستنجاد بمجلس الإفتاء.

وقال لـ"العربي الجديد": "هذا هو النظام الجزائري، بدل التفكير في جوهر المأساة التي صارت تحصد الأرواح، يفضل السهولة والأغطية القانونية الدينية، فهجرة الشباب هي هروب إلى البلدان التي تعرف معنى الإنسانية وتعطي قيمة الإنسان، ومحاولة أيضا لإنقاذها من شتى المظالم وانسداد الآفاق، إنها بهذا المعنى طلاق مع ما آلت إليه البلاد تحت حكم نظام فاسد"، مشيرا إلى أن "الجزائر لم تشهد مثل هذه الموجات من الهجرة على أيام الحرب الأهلية في التسعينيات".

وقبل أسبوعين عبر رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى عن استغرابه من هجرة الشباب الجزائري وإقدامه على ركوب مخاطر البحر وقوارب الموت، وعن قدرته على توفير مبلغ يدفعه لشبكات الهجرة السرية بدل إطلاق مشروع صغير في بلاده.



وكان استغرابه، بحسب الكثيرين، دلالة ومؤشرا سياسيا على عجز المؤسسة الرسمية عن فهم دوافع وأسباب هجرة الشباب من الجزائر، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الجديدة التي تتسم بتفاقم الأزمة المالية في الجزائر وتبني الحكومة لسياسات التقشف، وتقليص حجم الوظائف في المؤسسات الحكومية والإنفاق على البنية التحتية، إضافة إلى التوترات الاجتماعية المتصاعدة، وغموض الأفق السياسي في البلاد بسبب فشل محاولات الشباب التقدم إلى مراكز القرار، وهيمنة رجال المال على المشهد، وتوجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية رئاسية خامسة قد تفاقم من الإحباط السياسي في البلاد.

المساهمون