دعوني أرحل بسلام

23 سبتمبر 2018
تلك الحياة له... (فيليب أوغن/ فرانس برس)
+ الخط -

المرض عضال. أمر لا شكّ فيه. الجميع مدركٌ حقيقة الأمر. وتتباين ردود الفعل... إمّا انغماس في التفجّع وإمّا براعة في التماسك. بالنسبة إلى هؤلاء الذين يجهدون في ضبط الأمور، فإنّ التضعضع ليس خياراً متاحاً.

المعضلة كبرى. لا بدّ من اتخاذ قرار. الوفاة حتميّة، غير أنّ إطالة الحياة ممكنة. هذا ما يَعد به الأطبّاء. إذاً، ثمّة أمل. "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!". ونحسم، نحن المعنيّين، أمرنا: نعم لإطالة الحياة. في الواقع، لسنا نحن المصابين بالمرض العضال، وإن كان يتمدّد ليطاول كلّ فرد من أفراد عائلة الشخص السقيم.

الاستسلام ممنوع. ونختار "الحياة". هذا ما يمليه علينا ضميرنا، في حين أنّ الأمر يجعلنا نكسب بعضاً من الوقت معه. نحن نكسب الوقت. وماذا عنه، هو؟ هو المعنيّ. بالتأكيد سوف تطول حياته. ماذا تعني إطالة حياة مصاب بمرض عضال؟ هي مزيد من الوقت على هذه الأرض، وبين الأهل والأحبّة. هذا صحيح، من دون شكّ. تلك الإطالة تعني كذلك وقتاً ممتداً في غرف العمليّات وعلى أسرّة المستشفيات وفي أقسام العلاج بالأشعّة والعلاج الكيميائيّ وفي المختبرات وعيادات الأطبّاء. تُضاف إلى ذلك أيام وأسابيع على فراش في منزل... منزله أو منزل ابنه أو ابنته أو أحد المقرّبين. وتبقى إطالة الحياة ضرورة وأمراً لا يحتمل الجدال.

نصرّ على اختيار "الحياة". الأطبّاء قدّموا لنا هذا الخيار، ونحن ارتأينا أنّ الأمر محسوم. لن نتفرّج عليه وهو يُسلم الروح، غير أنّنا سوف ننعم برؤيته وهو يذبل ويتلوّى من الألم والإعياء. يكفي أنّه بيننا. ثمّة حاجة إلى الشبع منه أو رغبة. وماذا عن رغبته هو؟ في مجتمعاتنا، لطالما كان المصاب بمرض عضال متفرّجاً ليس إلا. قد يكون فأر تجارب في بعض الأحيان. نحن ندرك خيره أكثر منه. أمر لا يحتمل الجدال. وجودة الحياة المتبقّية؟ ماذا تعني الجودة؟

"الحياة". تلك الحياة له، غير أنّ إطالتها هدفنا نحن. لا ندرك ذلك، فالشعور بالمسؤوليّة تجاهه هو الغالب... شعور يثقلنا. وتُضاف إلى ذلك ضرورة ردّ الجميل له وتسديد ما له مِن دَين علينا، لا سيّما إن كان هو من منحنا الحياة... حياتنا. التخلّي عنه أمر لا يجوز. لن ندعه يشعر بأنّنا مقصّرون تجاهه. من صنّف الأمر فعل تخلٍّ؟ ماذا عن الألم... ألمه؟ ماذا عن الإعياء... إعيائه؟ يكفي أنّه بيننا.




لا نسأل عن رغبته في علاج جديد. نحن ندرك خيره أكثر منه. هو ليس في حالة تسمح له باتخاذ أيّ قرار حاسم. هذا من جهة. أمّا من أخرى، فلا بدّ من التأكيد له أنّنا نحبّه. ما نأتي به ليس إلا من أجله... هو. وماذا عن رغبته في أيام أخيرة وديعة، من دون حقن ولا ألم ولا آثار جانبيّة لعلاج كيميائيّ أو آخر. وماذا لو رجانا: "دعوني أرحل بسلام"... هل ننصت له؟
المساهمون