هربوا من الموت.. فأغرقتهم أحلامهم

01 نوفمبر 2014
ناجٍ من حادثة لامبيدوزا قبل عام (فرانس برس)
+ الخط -
"لاجئ من الموت إلى الموت"، هذه حال السوريّين الذين فرّوا من الحرب الدائرة في بلادهم، باحثين عن ملجأ آمن ومستقبل يكفلُ لهم ولأطفالهم حياة كريمة.
في ظلّ الوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه مئات الآلاف من الذين نزحوا إلى دول الجوار - لا سيّما في مخيمات الأردن ولبنان - وتعرّضهم لانتهاكات كثيرة، لم يجد المواطن السوري بديلاً عن الهجرة إلى خارج المنطقة، وذلك في رحلة قد يدفع حياته وحياة أسرته ثمناً لها.
البحر الأبيض المتوسط، الذي كان العرب يطلقون عليه في الماضي "بحر الروم"، والذي يفصل آسيا وأفريقيا عن القارة العجوز، يُعتبَر أخطر معابر اللجوء في العالم. فهو شهد في خلال العام الجاري غرق نحو ثلاثة آلاف شخص، معظمهم من الجنسيّة السوريّة، بحسب ما أفاد مسؤولون في المنظمة الدوليّة للهجرة.
وقد أعلنت الحكومة الإيطاليّة الشهر الماضي، أن إجمالي أعداد المهاجرين الذين بلغوا الشواطئ الإيطاليّة منذ بداية العام الجاري تجاوز المئة ألف مهاجر.
يسلك المهاجر سُبلاً كثيرة من شأنها أن توصله إلى الشواطئ الإيطاليّة، فتنطلق عشرات الرحلات في "قوارب الموت" من شواطئ إزمير ومرسين في تركيا، وكذلك من مصر، وتحديداً الإسكندرية ودمياط.
أما المهاجرون الذين ينطلقون من الشواطئ الليبيّة، لا سيّما زوارة وصبراته وبنغازي وطبرق، فتُسجّل بينهم أعلى نسب وفيات في رحلات اللجوء تلك.
يصل اللاجئون عادة إلى ليبيا براً، إما عبر الأراضي المصريّة أو باجتياز مسافة من خلال الجزائر وتونس. ومعظم هؤلاء من السوريّين والفلسطينيّين الذين اختاروا الهجرة غير الشرعيّة نحو أوروبا.
والشباب من الفئة العمريّة 16 ـ 30 عاماً، يشكّلون الشريحة الأكبر من اللاجئين. وهؤلاء المهاجرون يضعون مصلحة أسرهم نصب أعينهم. فهم يشدّدون على أن هدفهم من الهجرة وتحمّل مخاطر المغامرة بركوب البحر وسط انعدام أدنى شروط السلامة، هو الحصول على حياة آمنة وكريمة ومن ضمنها تأمين التعليم لأبنائهم.
علي، شاب في العشرينيات من عمره، يروي تجربته في اللجوء، التي بدأت من مدينة إسطنبول، باتجاه القارة الأوروبيّة. يقول: "غادرت تركيا متوجهاً إلى الجزائر العاصمة. ومن تبسة وبئر عاتر الجزائريّتَين مروراً بتونس، توجّهنا إلى بن قردان الحدوديّة مع ليبيا، لندخل آخر موطئ لنا في البلاد العربيّة في منطقة زوارة الساحليّة في ليبيا". يضيف أن "الرحلة استمرت قرابة الأسبوع، وكانت زوارة نقطة الانطلاق نحو إيطاليا".

ويوضح علي أن "المهرّبين يقومون بوضع ما يزيد عن 300 شخص في قارب يتّسع عادة لمئة شخص كحدّ أقصى، وذلك لقاء 1300 دولار أميركي للفرد الواحد". ويلفت إلى أن أي من اللاجئين لا يستطيع الاعتراض على ما يصدر عن المهرّب من سوء معاملة، قد يصل حدّ الضرب والإهانة".
ويخبر أن ذلك "العجوز الذي تلقى ضربة على وجهه، لا يغيب عن ذهني"، وهو كان قد تعرّض لذلك، لاعتراضه على طريقة الجلوس في القارب وعلى الزج بهم "كالدواب"، من دون أن يشفع له كبر سنّه أو شيبه.
والمهرّبون هم الطرف الأبرز في "رحلات اللجوء" تلك، وهم يشكّلون شبكات ربط تضمّ المئات منهم. ولكلّ لاجئ سوريّ قصّة مع أحدهم، سواء في شوارع إسطنبول أو الإسكندريّة أو على الحدود اللبنانيّة أو في ليبيا، قبل أن يجرّب حظه ويجتاز البحر باتجاه أوروبا. فقد تعرّض كثيرون منهم للخديعة وعمليات النصب، ولمعاملة تفتقد أدنى احترام لحقوق الإنسان.
وفي حين تسعى الدول إلى منع الهجرة غير الشرعيّة وإطلاق الدعوات لضبط الحدود، تغيب عنها ضرورة معالجة الأسباب التي اضطرت هؤلاء المهاجرين إلى اتخاذ البحر سبيلاً إلى النجاة، ووضع حدٍّ لمعاناتهم. فاللاجئون السوريّون يتعرّضون للقمع والاضطهاد والتضييق في البلدان العربيّة، لا سيّما لبنان والأردن.
كذلك، لا تقوم السلطات بواجباتها والتزاماتها القانونيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، لجهة تأمين الحماية والرعاية اللازمتَين بالإضافة إلى ما يسمّى في القانون الدولي "الحماية المؤقتة" عند تدفّق مجموعات بشريّة نتيجة الصراعات. وهو ما يمثّل انتهاكاً صارخاً للاتفاقيّة الدوليّة لحماية اللاجئين الصادرة في عام 1951، والتي تلزم الحكومات المضيفة بشكل أساسيّ مسؤوليّة حمايتهم. وتأتي معاناة السوريّين في مخيّمَي الزعتري في الأردن وعرسال في لبنان، مثالاً واضحاً لانتهاك حقوق اللاجئ.
شهد عام 2014 الجاري حتى يومنا هذا، هجرة عدد كبير من الأدمغة، من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيّين. وهذه الفئة كانت تتّخذ من دول الخليج العربي مقراً لها للإقامة والعمل، إلا أن القرارات الصادرة عن تلك الدول مجتمعة، حالت دون السماح لها بدخول أراضيها منذ بداية الأحداث في سورية. وهو ما دفع بهذه الطاقات إلى خوض غمار البحر قاصدة دول الغرب. منهم مَن نجا، ومنهم مَن ابتلعته أمواج ذلك البحر. ولعلّ حادثة لامبيدوزا (11 أكتوبر/ تشرين الأول 2013)، التي راح ضحيتها نحو 420 شخصاً في قارب يحمل عدداً من ذوي الدخل الجيّد من أطباء ومهندسين برفقة أسرهم، وفقاً لشهادات ناجين من الحادث، أبرز مثال.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد اللاجئين السوريّين تجاوز عتبة الثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ، في دول الجوار السوري. فتعدّدت طرق الهجرة غير الشرعيّة في حين كثُرت المناداة بإيقافها والحدِّ منها. أما اللاجئون السوريّون فينتظرون حلاً لمعاناتهم، بعدما فقدوا الأمل بنهاية قريبة لأزمة بلادهم التي طال أمدها، والتي يكتفي العالم بالتفرّج عليها والتعبير عن قلقه إزاءها.
المساهمون